ملف العدد
تعزيز الحكومة المفتوحة في البلدان العربية
العدد 160 | تشرين اﻷول (أكتوبر)-2021

بقلم بنان عباس
مهندسة معلوماتية

توصف الحكومة المفتوحة بالفعاليّة والكفاءة في أداء واجباتها، وتتسم أعمالها بالشفافيّة وخضوعها للمساءلة، وإمكان النفاذ إلى خدماتها من قبل الجميع. وتوصف الحكومة المفتوحة كذلك بأنها حكومة تستجيب لاحتياجات مواطنيها وتثمن مشاركتهم وخبرتهم ومعرفتهم في صنع القرار، وأنها تعتمد على التقانات الحديثة لتعزيز حوكمتها.

عُرِّفت الحكومة المفتوحة في نطاق مؤشر سيادة القانون Index Law of Rule الذي وضعه مشروع العدالة الدولي Project Justice World بأنها الحكومة التي تعرض معلوماتها للمشاركة، وتشجع على مشاركة المواطنين في صنع القرار، وتقدم للجمهور أدوات تمكِّن من إخضاع الحكومة للمساءلة. وهذا التعريف قابل للتعديل تبعًا لمجموعة من العوامل، منها ما يتعلق بما ترغب الحكومات نفسها في تحقيقه في مجال النفاذ إلى المعطيات والمعلومات، وفي توفير الخدمات على الشبكة، وفي مشاركة المواطنين في عملية صنع القرار وتصميم الخدمات. أما تحسين المشاركة والشفافية والمساءلة فهي من الأهداف الأساسية للحكومة المفتوحة مهما اختلفت المؤشرات المؤثرة فيها.

يتطلب الانتقال إلى الحكومة المفتوحة تعديل عدد من القرارات والتشريعات والإجراءات الإداريّة والتشريعيّة والتنظيميّة والمؤسسيّة والتقانية. وهذه التعديلات تطال الجهات المختلفة في الحكومة، وتؤثر في تفاعل الحكومة مع المواطنين ومع جميع أصحاب المصلحة في المجتمع.

وتعتمد الحكومة المفتوحة التطورات التقانية الجديدة، وبخاصة تلك التي تمكِّن من تحسين التفاعل بين الحكومة ومكوناتها المختلفة من جهة، والجمهور والمنظمات غير الحكوميّة والقطاع الخاص من جهة أخرى. تتيح هذه التقانات الجديدة للحكومة وضعَ وتنفيذ مبادراتٍ تخص الحكومة المفتوحة وفق أطر عمل ونماذج ترتبط بالمعطيات المفتوحة والتعاون المفتوح والابتكار المفتوح. وكذلك فإن الحكومة المفتوحة تؤثر تأثيرًا مهمًّا في الحوكمة بسبب تفعيلها لمبادئها الأساسيّة؛ وهي:

المُساءلة Accountability، والشفافيّة Transparency، والشموليّة Inclusiveness، والفعّاليّة Effectiveness، والتخيّريّة Contestability. ويمكن إضافة مبدأ سادس هو التجاوبيّة. وتسهم الحكومة المفتوحة كذلك في بناء المؤسسات القويّة وفي ترسيخ المواطنة وتحقيق الديمقراطيّة.

 

الشكل 1: مبادئ الحكومة المفتوحة في البلدان العربية

 

 

يمكن الوقوف على وضع الحوكمة في المنطقة العربيّة بمعرفة مناحيها الأساسية، وهي:

  • فعاليّة الحكومة: وتعني جودة الخدمات العامة، ورسم السياسات وتنفيذها.
  • السيطرة على الفساد: وتعني قدرة الحكومة على توظيف سلطتها لتقليص النفوذ غير المشروع المرتبط بالمصالح الخاصة أو مصالح النخبة.
  • التعبير والمساءلة: يمثل قدرة المواطنين على اختيار حكومتهم، ومدى تمتعهم بحريّة التعبير، وحريّة التنظيم، وحريّة الإعلام.

 

الشكل 2: وضع الحوكمة في المنطقة العربيّة

 

ولما كانت الحكومة المفتوحة تساعد على زيادة الشفافية وتحسين المساءلة والتجاوبيّة، وتعزيز التشاركيّة في المجتمعات وخاصة بين الحكومات والمواطنين، فهي بالنتيجة تسهم في تحقيق عدة أهداف من أهداف التنمية المستدامة، وأهمها الهدف الخاص بالسلام والعدل والمؤسسات القويّة، وتسريع الجهود للقضاء على الفقر بجعل المؤسسات أكثر شفافيّة وفعالية، وهذا من شأنه إعطاء المواطنين دورًا مهمًّا في مراقبة إنفاق الأموال العامّة. وكذلك تسمح الحكومة المفتوحة للمواطنين بزيادة كفاءة الخدمات العامة، إذ إن من شأن الاعتماد على المعطيات المفتوحة والتخطيط التشاركيّ أن يسهم في تحسين التّخطيط والتّوزيع والمراقبة ويمكّن من تعزيز الابتكار، وذلك لأن المعطيات المفتوحة تتيح لأفراد القطاع الخاص والمنظمات غير الحكوميّة بتطوير تطبيقات مجتمعيّة مبتكرة اعتمادًا على كمٍّ أكبر من المعطيات المفتوحة والاحتياجات المجتمعيّة.

 

الحكومة المفتوحة في العالم

اكتسبت مفاهيم الحكومة المفتوحة، على مدى العقدين الماضيين زخمًا دوليًّا واسعًا، بدا جليًّا في أن تحقيق المزيد من الانفتاح الحكومي لا يفيد المواطنين فحسب، بل تمتد فائدته إلى الحكومة ذاتها، إذ يحقق إدارةً أفضل للسجلات، وكفاءةً أعلى في اتخاذ القرارات وتقديم الخدمات.

أحرزت العديد من الدول المتقدمة خطوات مهمة في سعيها لتصبح أكثر انفتاحًا. أما الدول النامية، فكانت أقل حماسًا نحو هذا الانفتاح، مع وجود بعض الاستثناءات مثل تشيلي وأوروغواي. وتحتكر دول شمال أوروبا المراكز الخمسة الأولى في معظم مؤشرات الأداء الخاصة بالحكومة المفتوحة وفقًا لتقييم ومؤشرات فريق برنامج العدالة الدولية Team Program Justice World، الذي يعتمد على المؤشرات الكميّة التالية:

  • مؤشرات المعطيات الحكومية المفتوحة.
  •  مؤشرات فضّ النزاعات والإفصاح عن الأصول.
  • مؤشرات شفافيّة الموازنة.
  • مؤشرات شمول السياسات للجميع.

حيث تصدّرت النروج دول العالم في حين حلت تونس صدارة الدول العربيّة في ترتيب 60 بالنسبة للعالم، تلتها الأردن فالمغرب فلبنان عربيًّا.

التحول نحو الحكومة المفتوحة في المنطقة العربية

تنبهت بعض الدول العربيّة إلى أهميّة التوجه نحو الحكومة المفتوحة، فاتخذت خطوات متعددة لإرساء الأسس اللازمة لذلك. وساعد تطبيق الحكومة الإلكترونية بنجاح على التّوجّه نحو تطبيق مفاهيم الحكومة المفتوحة، فتركّزت الجهود على المبادرات التي تخص المعطيات الحكومية المفتوحة. ولقد واجه التحول إلى حكومة شفافة وقابلة للمساءلة وشاملة للجميع وذات تشاركيّة فعّالة، تحدياتٍ كبيرةً ما يزال معظمها قائمًا حتى اليوم.

نذكر من هذه التحديات:

  • جَسْرُ الهوة التشريعية.
  • الممانعة في فتح باب المشاركة في المعطيات الحكوميّة.
  • ضعف إدراك أهمية المعطيات الموجودة والنظر إليها كـ "أصول".
  •  نقص الوعي بمزايا فتْح المعطيات الحكوميّة.
  • التقصير في توعية المواطنين والعاملين في القطاع العام وكذلك الأطراف الحكوميّة، بأهمية الحكومة المفتوحة.

 وقد حققت الدول العربية نجاحات متباينة في بعض المجالات التي تدعم التحول نحو الحكومة المفتوحة مثل الحكومة الإلكترونيّة، والمعطيات المفتوحة، وتعديل التشريعات والقوانين ذات الصلة، وما يزال عدد من العقبات يعيق تحقيقها وتطورها المستقبلي. وفيما يلي وصف موجز لوضع الدّول العربيّة في عدد من المجالات المرتبطة بالحكومة المفتوحة.

    1. الحكومة الإلكترونية

تختلف الأهداف الرئيسيّة في الحكومة المفتوحة اختلافًا واضحًا عن أهداف الحكومة الإلكترونية. فالحكومة الإلكترونية ترفع مستوى التفاعل بين أفراد الحكومة ومؤسساتها من جهة، وأصحاب المصلحة سواء كانوا أفرادًا أم جماعات من جهة أخرى. وهذا مما يتيح لأصحاب المصلحة الحصول على الخدمات التي يرغبون فيها بطريقة أفضل.

تسهّل الحكومة الإلكترونية الفعّالة تحقيق التشاركيّة وخاصّة عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي. وقد أحرزت بعض الدول العربية قيمًا تساوي أو تزيد على متوسط المشاركة العالمي في مؤشر المشاركة الإلكترونيّة.

 

الشكل 3: مؤشر المشاركة الإلكترونية في الدول العربية لعام 2016

 

     2. المعطيات المفتوحة

برزت تحديات كبيرة في وجه تطبيق المعطيات المفتوحة في الدول العربيّة؛ نذكر منها:

  • تحديد المعطيات الممكن إتاحتها.
  • إدراك أهميّة هذه المعطيات .
  • ممانعة فتح باب المشاركة في المعطيات الحكوميّة.

وبالرغم من هذه التحّديات، تم تقديم بعض مبادرات المعطيات المفتوحة في المنطقة العربيّة، منها:

  • الأردن: قدمت منصة المعطيات الحكومية المفتوحة.  https://data.jordan.gov.jo
  • الإمارات العربية المتحدة: بوابة المعطيات الرسمية للحكومة.  https://bayanat.ae
  • البحرين: منصة البحرين للمعطيات المفتوحة.  www.datagov.bh
  • تونس: بوابة المعطيات المفتوحة.  www.data.gov.tn
  • السعودية: المعطيات السعودية المفتوحة. www.data.sa
  • عُمان: المبادرة الوطنية للمعطيات المفتوحة.  www.oman.om/opendata
  • قطر: مشروع قطر لتبادل المعلومات "قلم". www.gov.ga/wps/portal/opendata
  • المغرب: معطيات الإدارة المغربية العامّة. data.gov.ma

 

     3. أسياسات واستراتيجيات الحكومة المفتوحة

ليس لدى معظم الدول العربية سياسة أو استراتيجيّة صريحة ومكتملة خاصّة بالحكومة المفتوحة، ولكن لدى بعض هذه الدول خطط وطنيّة كليّة أو جزئيّة للتحول نحو الحكومة المفتوحة، وبعضها الآخر بصدد وضع خطط بهذا الخصوص. تشمل الاستراتيجيات التي تحاول الدول تضمينها في سياسات الحوكمة المفتوحة النقاط التالية:

  • الشفافية.
  • إدارة المعطيات/المعلومات الحكوميّة.
  • المعطيات الحكوميّة المفتوحة.
  • تحسين جودة خدمات تقانات المعلومات والاتصالات.
  • تحديث القطّاع العام.
  • شفافيّة الميزانيّة.
  • الحصول على المعلومات.
  • الديمقراطية التشاركيّة.
  • مكافحة الفساد.

 

     4. التشريعات المرتبطة بحق النفاذ إلى المعلومات في المنطقة العربيّة

يتطلب نجاح أي مشروع للحكومة المفتوحة وجود إطار تشريعيّ ملائم يعزّز تطبيق المشروع. ويُعدّ قانون حقّ النفاذ إلى المعلومات أساسيًّا لتطبيق الحكومة المفتوحة، ويؤدي إصداره إلى دعم الحقوق المتعلقة بحريّة الرأي والمشاركة في الحياة العامّة، وتعزيز المساءلة والشفافيّة، والممارسات الديمقراطية، فضلًا عن أثره في الكشف عن حالات الفساد المحتملة. تُلزَم الجهات العامّة بنشر الوثائق الحكوميّة وتحدد طريقة نشرها وطبيعة معطياتها.

إطار عمل تطبيق الحكومة المفتوحة في الدول العربيّة

يتلاءم إطار عمل تطبيق الحكومة المفتوحة في الدول العربيّة مع مستوى استثمار تقانات المعلومات والاتصالات في هذه الدول ووضعها في الحكومة الإلكترونية، وكذلك مع الوضع التشريعيّ والتنظيميّ في المؤسسات الحكوميّة. ويتوافق هذا الإطار مع ثقافة المجتمع العربي ومع مستوى التفاعل بين المواطنين والقطاع العام. ويعد هذا الإطار دليلًا نموذجيًّا لوضع خطة عمل وطنيّة للتحول نحو الحكومة المفتوحة، ويمكن أن تعتمد عليه الإدارات والمؤسسات الحكوميّة من أجل تطبيق الحكومة المفتوحة وذلك وفق تسلسل منطقيّ. ويعتمد تنفيذ إطار عمل تطبيق الحكومة المفتوحة خطوات تمهيدية تليها أربع مراحل أساسيّة كما هو موضَّح فيما يلي:

     1. الخطوات التمهيدية

  • زيادة الوعي بين المواطنين فيما يتعلق بمفاهيم الحكومة المفتوحة وبناء القدرات.
  • إعداد مذكرة تشرح مفاهيم الحكومة المفتوحة.
  • تطوير البِنى التنظيميّة والتقانات.
  • إعداد وثيقة سياسات تتضمن مبادئ الحكومة المفتوحة.

     2. المرحلة الأولى: الانفتاح

  • تطوير وتنفيذ مبادرات المعطيات من أجل تحسين الشفافيّة.
  • ضمان جودة المعطيات المنشورة وإدارتها وتقييمها.
  • الاستفادة من التقنيّات المناسبة والمتاحة؛ مثل: الوب وتطبيقات الهاتف النقال.

     3. المرحلة الثانية: المشاركة

  • تحفيز مشاركة المواطن في العمل الحكومي.
  • تعزيز التّفاعل مع المواطن وتلقّي الاقتراحات والملاحظات.
  • تكثيف استعمال تقنيّات التواصل الثنائيّة الاتجاه ووسائل التّواصل الاجتماعيّ.

     4. المرحلة الثالثة: التّعاون

  • تشجيع مساهمة المواطن في صنع القرار.
  • تقديم خدمات حكوميّة مبتكرة وذات قيمة مضافة، وإتاحة النفاذ إليها في أيّ زمان ومكان.
  • استعمال المنصّات التشاركيّة ووسائل التواصل الاجتماعيّ والنقاش المفتوح.

     5. المرحلة الرابعة: إشراك المواطن

  • ضمان تمكين المواطن من النفاذ الكامل إلى المعلومات والخدمات.
  • مشاركة جميع أصحاب المصلحة في صنع القرار: الحكومة، المواطنون، المؤسسات غير الحكوميّة، القطاع الخاص.
  • التوصل إلى حكومة شفّافة محورها المواطن.

 

المرجع

  • تعزيز الحكومة المفتوحة في المنطقة العربية، الإسكوا، اللجنة الاقتصاديّة والاجتماعية لغربي آسيا، 2018.
قد ترغب كذلك بقراءة
الجوانب القانونية للحكومة المفتوحة
تطوير القدرات في المعطيات المفتوحة
منهجية "تقييم جاهزية المعطيات المفتوحة"
البيانات المفتوحة: أداة إشراك المواطنين
تطوير القدرات في مجالات المشاركة والتعاون والإشراك