ملف العدد
التحول الرقمي في الصناعة
العدد 158 | نيسان (أبريل)-2021

بقلم محمد السوسي
مهندس ميكاترونيكس

ماذا يعني التحول الرقمي؟

التحول الرقمي Digital Transformation: مصطلح ذاع صيته منذ عهد قريب نتيجة لما أحدثه التطور التقاني السريع للأجهزة الذكية ودخولها في كافة المجالات الصناعية والتجارية، وفي مجال التعليم والصحة، والقدرة الكبيرة على معالجة البيانات، وظهور تطبيقات جديدة تعتمد على الذكاء الصنعي، مما أدى إلى زيادة في الإنتاج وخفض التكاليف وتحقيق كفاءة عالية. فالتحول الرقمي واحد من أهم مقومات ومحفزات النمو في كبرى الشركات والدوائر الحكومية، ففرض بذلك على الشركات خوض سباق حاسم لتطوير حلول مبتكرة يضمن استمراريتها في دائرة المنافسة.

ومن هنا يأتي مفهوم التحول الرقمي الذي يتضح من مسمَّاه أنه تحول من حال إلى آخر، أي تحول الشركات الخاصة أو الحكومية أو المصانع من نظام العمل اليدوي التقليدي البطيء إلى نظام عمل يعتمد على التقنيات الرقمية في ابتكار المنتجات والخدمات. ولا يقتصر هذا التحول على الشركات المتخصصة في المنتجات الرقمية أو التي تركز على الإنترنت والتقانة فقط، بل تؤثر في جميع المجالات والأقسام.

ما هو التحول الرقمي الصناعي؟ يشير التحول الرقمي الصناعي إلى مجموعة من حلول الابتكار والانتقال إلى نماذج أعمال جديدة وتدفقات إيرادات تتكون من ثلاث ركائز أساسية: الأتمتة، وتحسين عمليات التصنيع، وتحسين الإنتاج. لكن هذا النوع من التحول لا يقتصر على التقنيات المستعملة؛ بل يمثل ثقافة التغيير المدمجة في جميع مجالات العمل وتحولًا في طريقة إدارة الأقسام المختلفة. بهذه الطريقة فقط يمكن أن يكون للرقمنة تأثير مفيد حقيقي على إنتاج أي شركة.

للتحول الرقمي تأثير كبير في الصناعات.. فما مدى أهميته في الصناعة؟

ساهم التحول الرقمي في إنشاء العديد من الخرائط والمدن الصناعية المتطورة التي ستُربط بشبكة الإنترنت بعضها ببعض، والتي ستظهر فيها المصانع الذكية المرتبطة بأجهزة الاستشعار متصلة بالإنترنت، والتي تكشف بدورها عن الأعطال قبل وقوعها. وكذلك فإن استعمال المصانع للبرامج والتقنيات الحديثة يدعم عملية التصنيع والإنتاج مثل البرامج المحاسبية، أو برامج الصيانة، التي تقدم تقريرًا دوريًّا عن الآلات داخل المصنع وتساعد على إنجاز مراحل عملية الإنتاج بحيث يقلّ هدر مدخلات الإنتاج من المواد الخام، فتزيد الإيرادات وتنخفض تكاليف الإنتاج.

وقد أثر التحول الرقمي في نظام المؤسسات والشركات التجارية تأثيرًا سريعًا وفعالًا، وكان التأثير الأكبر في المجال المالي، وذلك بتقديم برامج حسابات محترفة ساعدت المديرين الماليين على إدارة حسابات الشركة بدقة ومرونة، وتقليل نسبة الأخطاء الواردة في أسلوب العمل التقليدي والسجلات الورقية. ويُعدّ برنامج ERP من أفضل ما قُدِّم في هذا المجال لما يتضمنه من وحدات خاصة بالمعاملات المالية وعمليات التوزيع كالمبيعات والمشتريات وإدارة المخازن إضافة إلى الموارد البشرية، ونظم إدارة علاقات العملاء التي لها أثر بالغ الأهمية في زيادة نسبة مبيعات الشركات، نتيجة الاهتمام بالعملاء الحاليين، والبحث عن عملاء جدد، وخلق فرص جديدة للانتشار عن طريق إنشاء حملات تسويقية مميزة تساعد على الوصول إلى العملاء المناسبين.

لقد زاد التحول الرقمي الفرص أمام مَن يريد إدارة أو متابعة مصنعه من بعد، وذلك بالاعتماد على الشبكات وتقانة المعلومات، وقد أسهم هذا الأمر في نمو كبير في قطاع تطبيقات الهواتف الذكية التي سهلت النفاذ إلى البيانات والقيام بالعمليات المصرفية أو القيام بعرض وشراء المنتجات أو النفاذ إلى التقارير والإحصائيات بسهولة.

أهمية التحول الرقمي في العالم؟

هناك عدد من الأسباب التي قد تؤدي إلى حدوث تحول في العمل التجاري، ولكن السبب الأهم هو أنه يجب تحقيق هذا التحول؛ فالمسألة هي مسألة بقاء بالنسبة للكثيرين.

يقول هوارد كينغ Howard King، في مقال في صحيفة الغارديان The Guardian: ”لا تتحول الأعمال التجارية عن طريق الاختيار، لأنها ذات تكلفة باهظة ومحفوفة بالمخاطر، بل تضطر الشركات إلى التحول عندما تخفق في التطور“.

ويشير جون ماركانتي John Marcante، الرئيس التنفيذي لقسم المعلومات في فانغارد Vanguard، إلى أن استبدال الشركات في مؤشر ستاندارد آند بورز يجري كل أسبوعين تقريبًا. ويقول: ”لقد قادت التقانة هذا التحول، وعلى الشركات التي تريد أن تتقدم وتستمر في تقدمها أن تعرف كيفية دمج التقانة بالاستراتيجية“.

وقد تلقى مديرو المؤسسات هذه الرسالة بقبول حسن، وأولوها الاهتمام اللازم. وتتوقع شركة IDC أن يصل الإنفاق العالمي على التقانات والخدمات التي تمكِّن من التحول الرقمي إلى 1.97 تريليون دولار في عام 2022، وفقًا لدليل الإنفاق على التحول الرقمي نصف السنوي في جميع أنحاء العالم.

وعلى الرغم من عدم اقتناع الكثير من أصحاب الأعمال بفكرة التحول الرقمي، فثمة عدة أسباب تجعلهم يفكرون في ذلك:

1- اقتناع منافسيهم بذلك والعمل به، وفقًا لتقرير Forrester Research، يتوقع المديرون التنفيذيون أن ما يقرب من نصف أرباح المؤسسات سيدفع بالعملة الرقمية بحلول عام 2020.

2- زيادة الأرباح؛ وذلك في استطلاع حديث أجرته مؤسسة جارتنر.

3- زيادة الكفاءة؛ إذ أظهرت الأبحاث أن 9 من أصل 10 من صناع القرار في تقانة المعلومات يزعمون أن النظم القديمة تمنعهم من الاستفادة من التقنيات الرقمية التي يحتاجون إليها للنمو وزيادة الكفاءة.

4- رضا العملاء، سواء أكانوا خارجيين أم موظفين داخليين، فقد اعتمد الناس إلى حد بعيد على استعمال الأجهزة الرقمية في جميع جوانب حياتهم، بدءًا بالتسوق بالإنترنت من أجهزتهم المحمولة وانتهاء بتحويل منازلهم إلى منازل ذكية والتحكم فيها من بعد.

التحول الرقمي الصناعي، ما سر هذه القفزة؟

نعيش نحن المستهلكين في عالم رقمي ونتوقع باستمرار أن تعمل التقانة لمصلحتنا. يتجلَّى هذا في توقعاتنا عندما يتعلق الأمر بشراء المنتجات والتجارب المعيشية. ولهذا السبب، تحتاج المؤسسات في جميع القطاعات في الغالب إلى الاستثمار المستمر في التطورات التي ترضي الموظفين والعملاء المحتملين. وكثيرًا ما تتعرض الشركات التي يتألف منها القطاع الصناعي للتغيرات التي تنتج عن التحول إلى الرقمنة. نشأت هذه التغيرات من التقدم الذي حدث في البيئة الصناعية اليوم؛ كمنصات إنترنت الأشياء الجديدة IOT، والحوسبة السحابية، ومنصات البيانات الضخمة والذكاء الصنعي وغيرها.

 

مزايا التحول الرقمي في الصناعة

لدينا 10 فوائد للتحول الرقمي في الصناعة:

1-     يقلل التكاليف

 للتقانة أثر كبير في تقليل نفقات الشركة الصناعية في مواجهة المستقبل؛ فتكامل التقنيات الرقمية يؤدي إلى تحويل الإجراءات ورقمنة المستندات، وهذه تؤدي إلى خفض النفقات غير الضرورية، وكذلك خفض تكاليف العمالة. إضافة إلى ذلك، تتيح الرقمنة للشركات بحساب وتقدير النفقات بدقة، فتضمن بذلك السيطرة على الميزانيات، وتلغي المهام غير الضرورية داخل العمليات أو تستبدل بها غيرها لتصبح أكثر كفاءة. ثم إن هذه الكفاءة تتحول إلى توفير للوقت ينتج عنه إنتاج أكثر فعالية من حيث التكلفة.

2-     لامركزية الإنتاج

يوفر التحول الرقمي الصناعي للشركات نظم مراقبة كاملة من بُعد، لذلك يمكن أن يستمر الإنتاج في العمل بمفرده. هذا يعني أنه في ظروف استثنائية مثل Covid-19، لن تضطر الشركات الرقمية إلى إيقاف أو حتى إبطاء سلسلة إنتاجها؛ إذ يمكنها أن تعمل دون توقف عددًا من الساعات أكثر من أي عامل. يضاف إلى ذلك، أن الرقمنة تزيد من مرونة المنهجيات واستجابتها. على سبيل المثال، إذا حدثت مشكلة في مصنع إنتاج، يرسَل تحذير تلقائيًّا ويجري التعامل مع المشكلة دون اعتبار لليوم أو الوقت أو حتى وجود الشخص في ذلك الوقت.

3-     يعزز الكفاءة والإنتاجية

إن الاتصال الذكي بالمنتج يمنح الأجهزة القدرة على الاتصال البيني والتواصل من آلة إلى آلة M2M))، ومن ثَم التمكين من اتخاذ قرارات لامركزية. ففي العديد من المهام، لم تعد الشركات بحاجة إلى وجود الموظف فعليًّا في جميع الأوقات؛ إذ إن نموذج التصنيع والإنتاج الجديد يساعد على التخلص من المهام الرتيبة والخطرة في بعض الأحيان، فضلًا عن جعلها أكثر دقة وكفاءة واستجابة. وإضافة إلى تحسين العمليات والمهام، يسرِّع التحول الرقمي في اتخاذ القرارات ويجعلها أكثر فاعلية بناءً على بيانات دقيقة. وكذلك، فإن عمليات التدريب والتعديل والإصلاح لم تعد تمثل مشكلة، وذلك لندرة حدوثها من جهة ولكونها مؤتمتة إلى حد بعيد من جهة أخرى.

4-     يخلق فرص عمل جديدة

تمكّن النظم الرقمية الجديدة من تقديم منتجات و/أو خدمات جديدة لم تكن الشركة قادرة على الاستمرار في تقديمها سابقًا، وهذا يعني إنشاء مصادر جديدة للإيرادات. يضاف إلى ذلك، أن إطلاق الخدمات الجديدة (الابتكار أو إعادة التوجيه) تكون أسرع بكثير. وبالاستعمال الجيد للبيانات الضخمة والذكاء الصنعي، تتمكن الشركات من التجربة والاستباق في الاتجاهات والتنبؤ بالتطورات الجديدة التي ستنجح بين العملاء. يمكن لهذه التقنيات أن تسهل على الشركات أن تصبح صديقة للبيئة، وتخلق منتجات أكثر اخضرارًا وأقل ضررًا لنظامنا البيئي.

5-     يسرع رد الفعل على اتجاهات الطلب

تسهل نظم الإنتاج المتقدمة الاستجابة السريعة للتغيرات المتقلبة في الطلب. يمكن إعادة جدولة المهام في غضون ساعات ويمكن إنتاج المنتجات باستعمال أنماط مخصصة تناسب المستهلك، دون أن يكون في ذلك مضيعة للوقت. وبهذه الطريقة، يمكن للشركات الحصول على قدر أكبر من رضا العملاء دون الحاجة إلى التلاعب يدويًّا بكل منها.

6-     يعزز الميزة التنافسية

تعمل التقنيات الجديدة على تحسين جودة المنتجات المصنعة عن طريق دمج وظائف جديدة في نظم الإنتاج التي تعمل على تحسين النتيجة النهائية. يعمل هذا على زيادة تمايز المنتج المعني ويوفر قيمة مضافة للعلامة التجارية. من ناحية أخرى، تضمن مراجعات الجودة الشاملة الامتثال للمعايير واللوائح المختلفة. إضافة إلى ذلك، يُسمح للعاملين بتطوير إمكاناتهم ومهاراتهم المهنية بدلًا من الانخراط في مهام لا تساهم بقيمة فكرية للشركة.

7-     تحفز الابتكار ضد الاضطراب

 يقود التحول الرقمي ثقافة الابتكار، ويقود الشركة لاكتشاف عروض القيمة الجديدة والاتجاهات القادمة، ويمكِّنها من الابتكار بالاستفادة من معلومات غير مكتشفة سابقًا وإعداد نفسها للاتجاهات المستقبلية، ومن ثَم ادِّخار المال لمواجهة الاضطرابات المستقبلية.

8-     يعزز التماسك الداخلي

يسهل تدفق المعلومات الناتجة عن الرقمنة التواصل بين الإدارات، فيتيح بذلك مشاركة وتعاون الموظفين من مختلف مناطق الشركة في المشاريع واتخاذ القرارات. وكذلك يعطي الأعمال نظرة شاملة للكيانات المختلفة للمؤسسة، وهذا يتيح إدارة عالمية أكثر ربحية. من ناحية أخرى، فإن إمكان النفاذ إلى المعلومات على الفور من أي مكان وفي أي وقت، يسهِّل العمل بين الفرق المختلفة.

9-     يحسن استعمال البيانات المتوفرة

يبني التحول الرقمي ثقافة صنع القرار القائمة على البيانات التي تُجمع بواسطة أدوات التقانة. يؤدي التحسن في النظم التحليلية إلى تعميق فهم البيانات، وهذا مما يعزز صنع القرار المستنير والتوصيات الرئيسية والاستجابة السريعة.

10-   جذب اهتمام المواهب الجديدة

تجذب الشركات الرقمية التي تتماشى مع الاتجاهات والعمليات أكبر قدر من الاهتمام من المهنيين المدربين ذوي القدرات الأساسية في هذه البيئة المعقدة والمضطربة. إضافة إلى أنه إذا تمت إدارة التغيير بطريقة مناسبة ومسؤولة، فسيولد قيمة أكبر للرضا الوظيفي للموظفين، وسيَبرز الدافع البشري، جنبًا إلى جنب مع الأدوات الرقمية الفعالة، في إنتاجية الشركة وربحيتها.

ما سبب أهمية الإسراع في الانتقال إلى التحول الرقمي؟

يرتبط مستوى القدرة التنافسية للشركة ارتباطًا مباشرًا بقدرتها على إدارة العمليات وزيادة الإنتاجية. ووفقًا لدراسة أجرتها شركة McKinsey، فإن الشركات التي عاشت سابقًا في المتوسط أكثر من 60 عامًا تعيش الآن أقل من 20 عامًا. ومع استمرار المنافسة في النمو، يصبح من الصعب على الشركات البقاء في سوق يزداد إشباعًا. يجب على الشركات التي ترغب في البقاء في قطاعها اعتماد الرقمنة باعتبارها جزءًا أساسيًّا من كيانها. لقد انقلب التحول الرقمي في الصناعة من كونه خيارًا يمكن أن يمنح الشركات ميزة تنافسية إلى كونه ضرورة للبقاء في السياق الحالي للصناعة.

وهكذا فإن التحول الرقمي من الأساسيات التي يجب ألَّا تغفلها الشركات والهيئات، بل لا بد أن تسعى إليها لتطوير وتحسين خدماتها وتسهيل وصولها إلى عملائها، وتقديم خدماتها للجمهور المستهدف لجعل هذه الخدمات تتم بسرعة وسهولة.

 

المراجع

 Marcellus Buchheit (Wibu-Systems); Alex Ferraro (PwC); Chaisung Lim (Korea Industry 4.0 Association); Shi-Wan Lin (Yo-i Information Technologies, Ltd.); Jim Morrish (Transforma Insights); Bassam Zarkout (IGnPower); (2020) Digital Transformation in Industry White Paper, 1.0 edn

  Gerrit Remane; Torsten Oltmanns (2016) THE DIGITAL TRANSFORMATION OF INDUSTRYHow important is it. Who are the winners? What must be done now

  www.nexusintegra.io: industrial digital transformation what is benefits

قد ترغب كذلك بقراءة
التحول الرقمي للشركات
الركائز الأربعة للتحول الرقمي
عناصر التحول الرقمي
العميل الرقمي