بقلم أميمة الدكاك
مدير بحوث في المعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا
دلَّت الإحصائيات على أنَّ 53% من متخذي القرار في الشركات التي تتعامل مع المعطيات وتحليلها نفَّذوا - أو ينفِّذون - حلولًا تعتمد على الذكاء الصنعي، وأنَّ 29% من المطوِّرين تعاملوا مع برمجيات الذكاء الصنعي والتعلم الآلي في العام الماضي. وقد عرض موقع Forrester التنبؤات بشأن الذكاء الصنعي لعام 2020 وما بعدها.
تنفيذ أتمتة ذكية لبعض الإجرائيات
أشارت قائمة Fortune 500 التي تضم أغنى 500 شركة في الولايات المتحدة الأمريكية إلى أن 25% من هذه الشركات تخطط لتنفيذ مئات عمليات الأتمتة الذكية للإجرائيات intelligent process automation IPA، وهي أتمتة مهام خاصة باستعمال تقنيات الذكاء الصنعي.
وتخطط هذه الشركات أيضًا للقيام بأمور متعددة؛ منها تنفيذ مهام مخصصة تقوم بها ربوتات Robotic Process Automation RPA، ومنها استعمال تحليل النصوص والتعلم الآلي على وجه الخصوص لمعالجة الوثائق والبريد القادم إليها، ومنها بناء نظم إجابة مؤتمتة ونظم تحاور Chatbots (robotic discussion)، وبرمجيات للتحاور مع مستعملي الإنترنت ومع الزبائن (وكلاء محادثة conversational agents)، وكأنهم بشر حقيقيون.
يؤدي تطوُّر خوارزميات فرز المعطيات دورًا هامًّا في تمكين برمجيات الذكاء الصنعي من تعرُّف المعطيات الطبيعية وفرز المعطيات الشاذة، وبذلك يتمكن البشر المشغِّلون من استعمال تقنيات التعلم الآلي للتركيز بسرعة على السلوك غير الطبيعي واتخاذ الإجراءات المصحِّحة.
نقاط العلام للذكاء الصنعي: سلاح جديد للتنافسية
مع نمو سوق الذكاء الصنعي وكفاح منصات الحوسبة للاعتراف بها على أنها الأسرع والأكثر مرونة والأقل تكلفة للتعامل مع الذكاء الصنعي، ستكون نقاط علَّام الذكاء الصنعي والتعلم الآلي عنصرًا هامًّا في استراتيجيات التسويق للشركات.
- استمرار التطور في المجال، حتى بوجود الممانعة أو المساءلة
ذكر موقع Forrester الأخطار التي يمكن أن ترتبط باستعمال الذكاء الصنعي. من الأمثلة على ذلك، سوءُ المعلومات بسبب الترشيح الذي تقوم به بعض الخوارزميات على الشبكات الاجتماعية (استبعاد بعض المعلومات)، ومراقبةٌ تقنية عالية باستعمال خوارزميات تعرُّف الوجوه (كما حدث في الصين)، وتطوُّر ما يسمى بالزيف العميق “deep fake” الذي يُظهر فيديوهات تركيبية لأشخاص ومشاهير تبدو كأنها حقيقية تَستعمل تباديلَ للوجوه والخوارزميات التمييزية. ولقد شهدنا سبب حادث قامت به سيارة ذاتية القيادة من شركة Uber.
ومع ذلك، فإن هذه الأسباب لن تقلِّل من الاهتمام بالذكاء الصنعي، بل على العكس، اعتُبرت النقاط السابقة دليلًا على الحاجة إلى تطوير أعمق للذكاء الصنعي لتلافي السلبيات.
- الحاجة إلى مصادر المعطيات
يشجِّع تنفيذُ مشاريع الذكاء الصنعي مديري كبريات الشركات على اتخاذ التدابير اللازمة لتوفير كميات المعلومات الهائلة التي تحتاج إليها خوارزميات التعلم الآلي. وتقضي معظم الشركات 70% من وقتها في توفير المعطيات اللازمة لحسن سير خوارزمياتها.
- خفض الطلب على علماء المعطيات بسبب برمجيات الذكاء التي تُقدَّم على شكل خدمات SaaS
بدأت شركات كثيرة (مثل AWS, Microsoft, Google, IBM) - منذ العام الماضي - بتقديم برمجيات التعلم الآلي على شكل خدمات Software as a Service (SaaS). وسيَعتمد كثيرٌ من الأعمال على مزودات الخدمات السحابية لتوفير احتياجاتها من برمجيات الذكاء الصنعي. ومن أهم هذه البرمجيات: معالجة اللغات الطبيعية، والتحليل التنبُّئِي وتطبيقات أخرى.
ومع مرور الوقت ستؤتْـمِت الشركاتُ الدورَ الذي يقوم به علماء المعطيات، مما يضطرها إلى تشغيل خبراء لنمذجة التعلم الآلي وإلى الاستعانة بمهندسي معطيات وغيرهم. وسيجري توظيف علماء المعطيات لدى مزودي الخدمات السحابية.
- تجارب في العالم الحقيقي لخدمة الذكاء الصنعي
يَعتمد التحول الرقمي للشركات على استعمال نماذج التعلُّم الأكثر ملاءمة. وتتطلب هذه النماذج إجراء تجارب في مواقفَ حقيقيةٍ تَختبر فيها الإجرائياتُ المعتمِدة على الذكاء الصنعي بدائلَ نماذجِ التعلم الآلي. هذه النماذج التي ستختار الاختبارات التي تمكِّن من الحصول على النتائج المرجوة. وقبل نهاية العام 2020 ستنفِّذ معظمُ الشركات تجاربَ في الحياة الواقعية لكل إجرائيات العمل، بعضها بالتواصل مع الزبائن وبعضها في الخلفية. وحين تتحول الأعمال إلى الخدمات السحابية للحصول على أدوات الذكاء الصنعي، سيكون لدينا تجارب متعددة النماذج وتعقّب للنماذج. وستتكون لدينا أيضًا أفضل المنهجيات للذكاء الصنعي التي تعطي أفضل النتائج على مدار الساعة.
- أتمتة عمل مطوري الذكاء الصنعي باستعمال الذكاء الصنعي
تُعتبر الشبكات العصبونية في قلب الذكاء الصنعي الحديث والتعلم الآلي. ويخطط علماء المعطيات حاليًّا لتطوير منهجية جديدة تعتمد على الذكاء الصنعي تسمى "بحوث البنيان العصبوني neural architecture research" لأتمتة بناء الشبكات العصبونية وأمثَلتها بحسب الأهداف المرجوة منها. ستزيد هذه الأبحاث إنتاجية علماء المعطيات data scientists وتساعدهم على اتخاذ القرارات لبناء نماذجهم اعتمادًا على التعلم الآلي وخوارزمياته المختلفة.
- الشفافية "طرف لطرف" لذكاء صنعي منظَّم regulated
لقد غدا الذكاء الصنعي أحد أهم عوامل المخاطر في تطبيقات الشركات. وتتزايد الدعاوى القضائية بشأن التحيُّزات الاقتصادية والاجتماعية وانتهاك الخصوصية وغيرها من الآثار المؤسفة لتطبيقات الذكاء الصنعي، لذلك فإن المسؤولين القانونيين في الشركات سيطلبون إلى فرق تطوير برمجيات التعلم ملاحقةً كاملةً لنماذج التعلم الآلي لبيان الطريقة التي جرى وفقها بناء هذه النماذج وتدريبها وإدارتها واستعمالها في تطبيقات المؤسسات.
وسيُطلب إلى علماء المعطيات والتطوير البرمجي - قبل نهاية العام 2020- أن يقوموا بتسجيل كلِّ خطوة من إجرائيات التعلم الآلي آليًّا، وشرح الاستدلال الآلي لكل نموذج بلغة واضحة. وستكون الشفافية حاسمةً للحصول على تمويل لهذه البرمجيات.
الذكاء الصنعي في السنوات القادمة
في عام 2022، يُتوقع أن تضمِّن 75% من الشركات الأتمتةَ الذكيةَ في تطوير التقانات والإجرائيات، وأن تُستعمل برمجيات الذكاء الصنعي لكشف الرؤية العملية والتجريبية لقيادة الابتكار.
وفي عام 2024، يُتوقع أن يكون الذكاء الصنعي متكاملًا مع كلِّ جزء من أجزاء الأعمال، وأن يبلغ الإنفاق على حلول الذكاء الصنعي ربع الإنفاق الإجمالي للشركات، وأن تُقدَّم مخرجات قيادة الابتكار على شكل خدمات "Outcomes as a Service". وسيكون الذكاء الصنعي هو واجهةَ UI الجديدة، التي تمكِّن من استعمال تقنيات الرؤية الحاسوبية والكلام واللغة الطبيعية والحقيقة الموسعة/الحقيقة الافتراضية AR/VR، والإيماءات في كلِّ التجهيزات والمنتجات.
وبالمقابل، ثمة مخاطر حقيقة يمكن أن يسبِّبها سوء استعمال الذكاء الصنعي؛ من ذلك مثلًا: انتشار الزَّيف العميق deep-fake، والاستعمال السيِّئ لتعرُّف الوجوه facial recognition، والتخصيص المفرط over-personalization.
ففي الزيف العميق مثلًا، تُستعمل وسائطُ مركّبة synthetic media - اعتمادًا على تقنيات الذكاء الصنعي والتعلم الآلي - لإجراء عملية تبديل أحد الأشخاص في صورةٍ ما (أو فيديو) ووضع شخصٍ آخرَ مشابهٍ له مكانَه، ولمعالجة المحتوى الصوتي والمرئي بحيث يكون الخداع احترافيًا وينطلي على الكثيرين. وغالبًا ما تُنفَّذ هذه العملية باستعمال تقنيات العلم العميق؛ مثل المرمزات الذاتية autoencoders أو الشبكات التوليدية العدائية Generative Adversarial Networks (GANs).
صورة من فيديو لأهم عشر حالات زيف عميق في العالم Top 10 Deepfake Videos[1]
ومع ذلك، لا يتوقع أن يكسر هذا جموح الذكاء الصنعي، بل على العكس سيعزِّز أهمية تصميم نظم ذكية "مسؤولة" ذات حوكمة سليمة تأخذ في الحسبان: التحيز، والعدالة، والشفافية، والشروح، والمحاسبة. وسيكون هناك مراقبة الجدارة بالثقة الرقمية trustworthiness. وستوظِّف الشركات مختصين بالمعطيات وتحليلها: chief data and analytics officers. وسيزداد الاهتمام بتجميع المعطيات وتنظيفها وتكاملها وملكيتها وتنميطها. وسيرتفع أداء المهندسين وتزداد مهاراتهم، ومن ثَم ستنشأ فجوة بين من يستثمر في هذا المجال أو لا يستثمر فيه.
ستنتقل القوى الحاسوبية من مراكز البيانات إلى الحافة edge، وسيكون على تقانات المعلومات إدارة التجهيزات والتحكم فيها عند الحافة[2]. وفي عام 2023، ستنتشر عند الحافة 20% من المخدمات التي تعالج أحمال الذكاء الصنعي باستعمال معالجات مثلى ومعالجات مساعدة co-processors. وسيجري تنفيذ برمجيات الرؤية الحاسوبية وتعرف الكلام، عند الحافة.
أما الحوسبة الكمومية Quantum Computation، فسيكون لها دور كبير في بناء خوارزميات كمومية لتحسين المهام الحسابية لخوارزميات الذكاء الصنعي والتعلم الآلي، والذكاء الصنعي الكمومي Quantum Artificial Intelligence، واستعمال الحواسيب الكمومية، وتنصيب الخوارزميات الكمومية الخاصة بالذكاء الصنعي عليها... هذه المواضيع مازالت في المجال البحثي، ولم تطبَّق عمليًّا إلَّا في مجال ضيق جدًّا.
النتيجة
الاهتمام بالذكاء الصنعي في تزايد مستمر؛ في الشركات، والبحوث، وتأهيل المهندسين، وبراءات الاختراع، والحوسبة الكمومية، والحوسبة عند الحافة. وما نعرضه في هذا العدد هو إيجابيات استعمال الذكاء الصنعي لتحسين نفاذ ذوي الاحتياجات الخاصة إلى المعلومات، وتحسين حياتهم.
المراجع
https://readwrite.com/2020/03/04/artificial-intelligence-forecasts-for-2020
https://www.forbes.com/sites/gilpress/2019/11/22/top-artificial-intelligence-ai-predictions-for-2020-from-idc-and-forrester/#6d1db664315a
[2] الحوسبة عند الحافةEdge Computation : نمط حوسبة موزع يجعل المعطيات والحسابات قريبة من منطقة العمل، وذلك بغرض تقليل زمن الاستجابة وتوفير عرض الحزمة.