بقلم عمار كاظم
مهندس معلوماتية
- المقدمة
تطورت في العقود الأخيرة وسائل الاتصالات تطورًا كبيرًا، ووصلت التطورات التقانية بالفعل إلى الصناعات والجامعات، وأصبح الواقع الافتراضي Virtual Reality (VR) أداة للتعلّم والتدريب، وإنشاء بيئة للتعلم النشط للطلاب [13]. وإذا ألقينا نظرة إلى جيل الشباب، فإننا نجد أن غالبيتهم يستعملون الهواتف الذكية والحواسيب وغيرها من الأدوات المتقدمة تقانيًّا، وأن شبكات التواصل الاجتماعي قد انتشرت على نطاق واسع، ولم تعدْ تُستعمل للتواصل ومشاركة الوسائط فحسب، بل في شؤون العمل أيضًا، يضاف إلى ذلك التطور السريع في تقنيات الواقع المعزز. وانتقلت طريقة الاتصال هذه تدريجيًّا إلى الصناعة والتعليم؛ فإلى جانب رفع مستوى التواصل بين الناس، تغيَّر أيضًا التواصل بين الآلات، فمصطلح "واجهة ربط الإنسان بالآلة" مثلًا، صار له معنى مختلف تمامًا اليوم، وأضحى للعديد من الأجهزة القدرة على الإبلاغ عن حالتها وإنجاز عملها ذاتيًّا. وصار بإمكان هذه الأجهزة التواصل مع غيرها من الأجهزة الأخرى، وبنسبة أقل بكثير من التواصل مع الإنسان [2,3].
ستنتقل الصناعة، في المستقبل القريب، إلى النموذج التقاني الجديد المسمى "الصناعة 4.0" [1]، وسيؤدي إدخال مبادئ هذا النموذج إلى زيادة جودة الإنتاج، وقدرتها التنافسية. يضاف إلى ذلك، أن تطوير هذه التقنيات الجديدة سيحفِّز الابتكار والتطوير. حيث بدأ يتردد صداها وأفكارها اليوم في مختلف القارات وعلى كافة المستويات. على سبيل المثال، لدى الصين مفهوم مشابه يسمى "التسارع" باعتباره جزءًا من استراتيجية "الصين 2025".
الواقع المعزّز Augmented Reality (AR) هو التقانة القائمة على إسقاط الأشياء الافتراضية والمعلومات على بيئة حقيقية لتوفر معلومات إضافية أو تكون موجِّهًا له، خلافًا للواقع الافتراضي VR القائم على تقانة إسقاط الأشياء الحقيقية على بيئة افتراضية.
وظهر أيضًا الواقع الهجين (أو المختلط) Mixed Reality (MR) الذي يقوم على إنشاء بيئة مختلطة تتضمن البيئة الحقيقية والأشياء الافتراضية المضافة إليها، مما يزيد من كفاءة العمل [5]. يبيّن الشكل 1 العلاقة بين البيئة الحقيقية والبيئة الافتراضية، وآلية الانتقال بينهما:
الشكل 1 الواقع الهجين
انتشر الواقع الافتراضي (VR) والواقع المعزز (AR) مؤخرًا في مجموعة واسعة من التطبيقات، بدءًا من صناعة الألعاب والإعلانات إلى النظم الصناعية والنظم الخبيرة. وأضحى الواقع المعزز (AR) قادرًا على قلب عالمنا رأسًا على عقب، وجعله أكثر راحة وتفاعلًا وأمانًا.
الواقع المعزز هو التقنية التفاعلية الجديدة، التي تتيح استعمال الرسوم البيانية للحاسوب أو النصوص باعتبارها كائنات في الواقع الفعلي. وعلى عكس الواقع الافتراضي، فإن واجهات الواقع المعزز تتيح رؤية الأشياء الافتراضية في بيئة واقعية والتعامل معها في الزمن الحقيقي [4]؛ أي إن الواقع المعزز هو في المقام الأول الرابط بين الواقع الفعلي والواقع الافتراضي. يوضح الشكل 2 آلية ظهور الواقع المعزز، الذي يمكن اعتباره عالمًا حقيقيًّا "يكتمل" بالعناصر الافتراضية.
الشكل 2 الواقع المعزز
يبدأ العمل بتهيئة الكَمِرة وتشغيل الفيديو، فيحصل تعرُّف الشيء الافتراضي بواسطة رمزه QR وتصدير المعلومات الخاصة به بالاستفادة من قاعدة المعطيات المخزنة، ويكتمل بعدها الشكل الموجود على الشاشة بالكائنات المورَّدة من تلك القاعدة.
وبعبارة أخرى: الواقع المعزز هو مزيج من مجالين مستقلين في البداية: عالم الأشياء الحقيقية حول الإنسان والعالم الافتراضي الذي تم إنشاؤه على الشاشة باستعمال الحاسوب. توفر هذه التقنية التفاعلية فرصة لاستعمال كائنات خاصة ثنائية وثلاثية الأبعاد بالاستفادة من صور الكَمِرة، وبهذا "يكمل" الواقع [6].
- تطبيق الواقع المعزز في التعليم الهندسي
إن مسألة التدريب العملي في مجال الهندسة في مختلف الأقسام التقنية هي قضية مهمة جدًّا، ويجب الأخذ في الحسبان مشاكل التعليم الهندسي الرئيسية الآتية:
- تدريب المهندسين بلا مرشد في الشركات العاملة الحقيقية.
- عدم مواكبة الدورات التدريبية التخصصية للتغيرات في مجال التقانة المعاصرة.
- قلة عدد أعضاء هيئة التدريس المدربين تدريبًا عاليًا.
- الافتقار إلى اكتشافٍ منهجي للموهوبين في مجال الهندسة.
ولا بدّ من ملاحظة الاتجاهات الرئيسية الآتية لتدريب المتخصصين التقنيين:
- إنشاء عملية تعليمية موجهة نحو تكامل الجامعة مع الصناعة
- استعمال معيار (Conceive, Design, Implement, Operate) CDIO (تصور، تصميم، تنفيذ، تشغيل).
- نمذجة المحتوى الموضوعي والاجتماعي للعمل المهني، وتحويل العمل التربوي للطالب إلى عمل احترافي لمتخصص.
- تطوير وتطبيق المبادئ الجديدة لنظام تكامل التعليم الهندسي مع دمج الطالب في البيئة المهنية.
تم إنشاء طرائق تطبيق AR في التعليم منذ وقت طويل جدًّا، برزت في منهجية MARE (Mobile Augmented Reality Education تعليم الواقع المعزز المتنقل) (الشكل 3).
الشكل 3 التمثيل التخطيطي لمنهجية / طريقة MARE
- مزايا تطبيق تقنية الواقع المعزز في التعليم
سيؤدي إدخال تقنيات الواقع المعزز في العملية التعليمية إلى زيادة كفاءة التعليم عند تدريب المتخصصين التقنيين، وذلك بتحقيق الأهداف الآتية:
- إنشاء صورة تعليمية أشد واقعية.
- إنشاء مخابر عملية تشمل تقنيات الواقع المعزز. ولا حاجة إلى إجراء تغيير منطقي في طرائق التدريس، لأن AR يتيح توسيع إمكانات معدات التدريب العادية، وتحويلها إلى مجمع تعليمي تفاعلي. فهي إذن طريقة تطورية وليست ثورية.
- القضاء على الفجوة الرقمية بين المعلّمين والمتعلمين. وليس سرًّا أن العديد من المعلّمين (مع الأخذ في الحسبان متوسط عمر الأستاذ الجامعي الذي يقارب 50 عامًا) يجد صعوبة في اعتماد تقانة المعلومات والتقنيات الجديدة التي يستعملها جيل الشباب بسهولة. ستركز معدات التدريب مع الواقع المعزز على القضاء على هذه الفجوة، بحيث يحافظ المختبر على شكله الاعتيادي، ولكن تطبيق AR سيتعرف عناصره ومحتوياته.
- تقديم المعلومات إلى المتعلّم عن طريق قناة أوسع بكثير من القناة العادية المعتمدة على الأدوات المخبرية التقليدية، بحيث تتشارك فيها إظهار الحركة مع الصوت.
- زيادة جاذبية العملية التعليمية لجيل نشأ على استعمال الأجهزة الحديثة.
- تطوير تقنيات جديدة تحفز الابتكار والتوظيف.
- أساليب الواقع المعزز في التعليم
تتيح التقنيات المبتكرة استكمال الأساليب التقليدية للتعليم، وذلك بتنفيذ تقنيات الاتصال الجديدة في النشاط التعليمي؛ وهذا يساعد على تحسين العملية وتسريع الوصول إلى مصادر المعلومات. يُعدُّ الدعم المعلوماتي إحدى طرائق تطوير العملية التعليمية، ويتمثل الدعم المعلوماتي في زيادة جودة عمل الطلاب والمعلمين على حد سواء، بهدف اكتساب المعرفة والمهارات المعلوماتية [7- 9].
إن مسألة دعم العملية التعليمية باستعمال التقنيات المبتكرة، وخاصة تقنيات الواقع المعزز، تهدف إلى زيادة الجودة والكفاءة. وتعدّ طريقة استعمال رموز QR في المؤسسات التعليمية من أشهر تقنيات الواقع المعزز في دعم العملية التعليمية [10، 11]:
• استعمال رموز QR مع ارتباط يؤدي إلى موارد الوسائط المتعددة التي تساعد في العملية التدريسية.
• استعمال مجموعة من الروابط المعلوماتية، وكتل معلومات وتعليقات وأكواد QR، تساهم في إيضاح عرض المشروع التعليمي.
• عند وضع رموز QR للمشروع في مكتبة الجامعة، تظهر المعلومات الكاملة عن العمل؛ كجدول المحتويات والمؤلف والموقع.
• توجيه محتوى هذه الرموز إلى عنوان URL - صفحة تعليمية معيَّنة.
تقوم طريقة الواقع المعزز AR بعرض الإجرائيات المعقدة عرضًا مباشرًا، وتتيح رؤية الكائن والتعامل معه، إضافة إلى معرفة تكوينه، وكيفية عمله، وتفاعله مع الكائنات الأخرى [8].
- تحسين تقانة التعليم الهندسي
كان الاتجاه السائد في العقود الأخيرة التعقيد المتزايد والمستمر للنظم المختلفة، مما أدى إلى إطالة أمد تدريب المتخصصين وانخفاض جودته. على أن استعمال النظم الصناعية النشطة يعوقه أسباب عديدة؛ منها: الوقت الطويل لعمل النظام، ودرجة عالية من المخاطر على صحة الفرد أو حياته، وارتفاع التكلفة... إلخ.
إحدى طرائق تحسين تقنيات التعليم الهندسي في استعمال نظم تعليمية، هي اعتماد الواقع المعزز AR. وهذا يؤدي إلى تقليل مدة التدريب، وزيادة جودة التعليم، وتعزيز الجزء العملي من العملية التعليمية، إضافة إلى:
- جعل الكتاب المدرسي أكثر حيوية.
- إضفاء بعض التغيير على العملية التعليمية وجعلها أكثر تفاعلية.
- زيادة مستوى الإدراك لمشاركة الطلاب في العملية التعليمية، إلخ.
ولمَّا كانت هذه النظم التعليمية معقدة نوعًا ما، فإن على المطوِّر أن يتمتع بحسٍّ تعليمي خاص. وكذلك ينبغي أن يكون لدى المتخصصين في هذا المجال:
- القدرة على استعمال التقنيات المبتكرة التي تقدمها AR وVR لدعم نظم التعلم.
- القدرة على تطوير وتنفيذ النظم التعليمية على أساس النماذج الثلاثية الأبعاد.
- الاستعداد لتحديث و/أو إنشاء نماذج وطرائق جديدة في التعليم الهندسي.
- التفاعل مع مطوِّري التقنيات التعليمية.
- النتيجة
يُظهر تحليل الواقع المعزز في هذه المقالة آفاقًا جديدة في المجال التعليمي. فأولًا: إن تنفيذ تقنية AR تحفز الطلاب على الدراسة بأنفسهم، وتجذب اهتمامهم، وتعمل على تطوير طموحهم لاكتشاف إمكانات جديدة، واستبدال نماذج الوسائط المتعددة بالمعدات المخبرية الباهظة الثمن. وثانيًا، يمكن الاستعاضة عن المواد الحقيقية بإضافة معلومات عنها وتصورها، مما يزيد من مستوى الإدراك المادي. وأخيرًا، زيادة جودة التدريب الاحترافي باستعمال معدات تدريب تستند إلى AR. وبذلك تصبح العملية التعليمية أكثر تفاعلية وإنتاجية.
في الختام، تجدر الإشارة إلى أن تقنيات الواقع المعزز تفتح آفاقًا جديدة في التدريب التقني للخريجين بالاستفادة من الأساليب والنظم التعليمية الصحيحة.
المراجع:
- GILCHRIST, A.: Industry 4.0: The Industrial Internet of Things. p. 250, 2016.
- KRAJCOVIC, M., BULEJ, V., SAPIETOVA, A., ICTJRIC, I.: Intelligent Manufacturing Systems in Concept of Digital Factory. Communications - Scientific Letters of the University of Zilina, 15(2), 77-87, 2013.
- KRAJCOVIC, M., GABAJOVA, G., MICIETA, B.: Order Picking Using Augmented Reality. Communications - Scientific Letters of the University of Zilina, 16(3), 106-111, 2014.
- MAMONTOV, D. K.: Enriching the Reality: Popular Mechanics (in Russian). 46-48, 2009.
- OSK.OLKOV, I.A.: Augmented Reality: Such an Augmented Reality (in Russian) [online]. Available: http://www.computerraru/terralab/softerra/44848 1(accessed 25.12.2016).
- BALOG, A., PRIBBANU, C., IORDACHE, D.: Augmented Reality in Schools: Preliminary Evaluation Results from a Summer School Proc. of the World Academy of Science, Engineering and Technology, France, 114-117, 2007.
- ZAKHAROVA, I. G.: Information Technologies in Education (in Russian). Akademia, S6-59, 2003.
- BASHMAKOV, A. I., STARYKH, V. A.: The Principles of Building a Basis for Information Education Open Environments. BINOM, Moscow, 2010.
- PEMBERTON, L., WINTER, M.: Collaborative Augmented Reality in Schools [online]. Available: http://ltee.org/uploads/ cscl2009/ paper236.pdf.
- LEZHEBOK.OV, A. A., PASCHENKO, S. V.: Possibilities of the Augmented Reality Technologies. Trudy kongressa pointellektualnym sistcmamiinformacyonnym tehnologiyam (IS - IT'12), Russia, 196-203, 2012.
- KHOLODILIN, I. YU., NESTEROV, A. S., SHISHKOV, A. N., SOKHINA A. V.: Industry 4.0: Present and Future. Sovremennye nauchno - prakticheskie reshenija XXI veka: materialy mezhdunarodnoj nauchno - prakticheskoj konferencii, Russia, 27().274, 2016.
- KOLAROVSZKI, P., TENGLER, I., PERAKOVIC, D., PERISA, M.: Impact of Sorting Machine on Life Cycle of Passive uhf RFID Tags Placed on Letter Mail. Communications - Scientific Letters of the University of Zilina, 18(2). 143-147, 2016.
- G. Lobo. "Active learning interventions and student perceptions", Journal of Applied Research in Higher Education. 9 [3], pp.465-473,2017.