بقلم غسان سابا
مدير بحوث
بعد أن كانت صناعة السيارات، في نهاية القرن العشرين، مزيجًا تقانيًّا من الميكانيك والإلكترونيات، أصبح لغالبية السيارات، معالجات صغرية مضمنة. وقد جرى تطوير هذه المعالجات الصغرية أصلًا لمساعدة السيارات على التقيد بالمعايير الحكومية المتعلقة بكفاءة الوقود والتحكم بالانبعاثات. لكن حواسيب السيارات أصبحت الآن تؤدي مجموعة متنوعة من المهام بدءًا من تحسين آلية التعامل مع السيارة والثبات وانتهاءً بخلق بيئة مريحة للركاب.
يجري في وقتنا الحالي تخصيص المعالجات الصغرية - فيما بات يعرف بالسيارات الذكية - تخصيصًا مستقلًّا بغرض الإشراف على مختلف النظم الميكانيكية كالمحرك، والفرامل، والتعليق؛ حيث تُبَرمج الدارات لتعرُّف بعض الظروف والأحداث واتخاذ الأفعال أو الردود المناسبة. يعتبر التزويد المستمر بالمعلومات عن ظروف التشغيل وأداء النظم المختلفة من الأمور الأساسية لهذه العملية. فتزوِّد شبكةٌ واسعة من الحساسات بالدخل المطلوب ثم تُنقل المعطيات على شكل إشارات كهربائية إلى الحاسوب ليقوم بتحليلها. وعلى الحاسوب أن يُتِمَّ حساباته بسرعة كبيرة ويرسل تعليماته إلى المفعلات Actuators – وهي أجهزة كالمحركات والمضخات والصمامات يجري التحكم بها إلكترونيًّا – لتحقيق الضبط المناسب. ويستمر إرسال الإشارات السابقة لتحقيق التصحيح للوصول إلى المستوى المطلوب من الضبط.
مجموعة متنوعة من الحساسات
لا يمكن للحواسيب القوية أن تحسِّن أداء السيارات من دون حساسات فعّالة. نذكر فيما يلي أهم ستة أنواع من الحساسات:
- حساس الدوران Rotation sensor – لتسجيل سرعة الدوران.
- حساس الموضع Position sensor – للإشارة إلى موضع الجزء المتحرك، عن طريق تغيير المقاومة ضمن دارة كهربائية.
- حساس الحرارة Temperature sensor – لقياس درجة حرارة الغاز أو السائل، عن طريق تغيير المقاومة ضمن دارة كهربائية.
- حساس تدفق الهواء Airflow sensor – لقياس كمية الهواء المتدفق إلى المحرك من خلال مشعب السحب.
- حساس الطَّرق Knock sensor – لاكتشاف الاحتراق المتفاوت للوقود الذي يسبب اهتزازًا غير عادي في المحرك.
- حساس الأكسجين Oxygen sensor – لقياس كمية الأكسجين الموجودة ضمن العادم، للدلالة على حسن احتراق الوقود.
الفرامل العديمة القفل Anti-lock brakes
لا تعود الثقة الممنوحة للأداء الممتاز للسيارة إلى السائق ولا إلى الحظ، بل إلى الحاسوب الموصول بمجموعة رباعية من الحساسات تُركَّب قرب العجلات، يؤدي كلٌّ منها وظيفة واحدة؛ هي مراقبة سرعة العجلة، ويرسل هذه المعلومات رقميًّا إلى الحاسوب. يقوم الحاسوب بتحليل المعطيات القادمة من الحساسات الأربعة، ويحدِّد العجلةَ المتوقفة عن الدوران، ويُعلِم نظام الفرامل ليقوم بالتخفيف اللحظي لسرعة فرملة السيارة.
في الحقيقة، يقوم الحاسوب بتنفيذ ما يجب أن يقوم به أي سائق مدرب عند تعرضه للظروف نفسها: الضغط والإفلات المتناوبين على الفرامل لتجنب الانزلاق. لكن الحاسوب يتفوق على السائق بأداء هذه المهمة، لأنه يؤديها بمعدلٍ يصل إلى عشر مرات في الثانية.
الاستفادة القصوى من المحرك
يتمثل الدور الرئيسي الذي يؤديه الحاسوب ضمن السيارة في تنظيم عمل محرك السيارة لتحسين الأداء، وفي الاقتصاد في الوقود، والتحكم بالتلوث. وقد أدى هذا التطور الحاصل في مجال الإلكترونيات إلى الاستغناء عن عنصرين أساسيين للمحرك؛ هما: المكربن Carburetor والموزع Distributor، فقد اختفيا بسرعة من عالم صناعة السيارات.
ساعد الحاسوب أيضًا في تحقيق التحكم بالاشتعال (أي: إطلاق قوابس شمعات الاحتراق)؛ فحاسوب التحكم بالاشتعال ينظِّم عمل كل قابس احتراق إفراديًّا. وفي حال تخلخل عمل أحد القوابس، يقوم الحاسوب بتعيير التوقيت لتنسيق حركات جميع القوابس، بما يضمن الحصول على كفاءة طاقية أكبر.
حقن الوقود إلكترونيًّا Electronic Fuel Injection (EFI)
يُعدّ حقن الوقود إلكترونيًّا من أفضل الابتكارات التي حققتها الإلكترونيات في مجال تحسين أداء السيارات. يحتل جهاز حقن الوقود إلكترونيًّا مكان المكربن الذي كان موجودًا في جميع السيارات سابقًا. كانت تتمثل وظيفة المكربن - المخصص له جزء من المحرك - في المساعدة على تبخر الوقود بحيث يتيح الامتزاج بالهواء لتسهيل الاحتراق، فيزود ذلك بطاقةٍ للأسطوانات للمساعدة في عمل المحرك. ويُستعمل جهاز عائم ضمن المكربن لتنظيم كمية الوقود التي يستقبلها المحرك.
أما تقانة حقن الوقود إلكترونيًّا، فمختلفة تمامًا؛ إذ يقيس نظام EFI إلكترونيًّا كمية الوقود ضمن المحرك، فيسمح بذلك تزويد المحرك بالكمية المناسبة من الوقود.
التوجيه بالعجلات الأربع
تمثل خاصية التوجيه بالعجلات الأربع، الموجودة في معظم السيارات الحديثة، تحسينًا ملحوظًا مقارنةً بالتوجيه بالعجلات الأمامية فقط. حيث إن التنسيق الصحيح لحركات العجلات الأمامية والخلفية تغدو وظيفة مناسبة تمامًا لتحقيق المراقبة الدقيقة والتحكم اللذين يوفرهما الحاسوب.
فعندما تزيد سرعة السيارة على 30 كم/ساعة، يؤمِّن حاسوب توجيه العجلات الأمامية دوران مجموعتي العجلات في الاتجاه نفسه. ونظرًا إلى أن العجلات الخلفية تساهم في المناورة، فبدلًا من توجيهها إلى الأمام مباشرةً يجري سحبها عند المنعطفات، لتعزيز استقرار السيارة. كما تُوجَّه العجلات الخلفية، في السرعات المنخفضة، لتدور بعكس اتجاه العجلات الأمامية، وذلك لتقليل زاوية دوران السيارة، فتتحسَّن بذلك المناورة في المدن، ويَسهُل ركن السيارة في الأماكن الضيقة أيضًا.
ضبط الصدمات أثناء التنقل
يمكن أن تتغير ظروف الطرقات تغيرًا كبيرًا أثناء الرحلات، فتكثر في المدن المطبات والحفر، على حين تصبح الطرقات السريعة أكثر سلاسة. فعندما تكون السيارة محكومة بالحاسوب، يمكن لنظام تعليق السيارة التأقلم مع هذه التغيرات، وتحقيق الحلول المثلى لضمان الاستقرار والراحة في الوقت نفسه. في هذه الحالة، تُبلِّغ الحساسات عن حالة تعليق كل عجلة على حدة، ومن شأن ذلك تمكين الحاسوب من معرفة السطح الذي تسير عليه السيارة في كل لحظة. يصبح بإمكان الحاسوب عندئذ تعديل امتصاص الصدمات لتتناسب مع الظروف المحيطة.
راحة محوسبة
يمكن للمقعد الذي يتحكم به الحاسوب أن يُعدَّل آليًّا - حسب التفضيلات المخزنة - لتناسب أحجام السائقين، وذلك حسب الإعدادات المعدَّة سلفًا؛ فيمكن هنا تعديل ارتفاع المقعد وميلانه حسب رغبة كل سائق، وكذلك الأمر فيما يتعلق بالموضع الأمامي والخلفي.
أما الفائدة الكبرى من نظام التحكم المحوسب بالطقس فتعود إلى إمكان التأقلم الآلي مع الظروف المختلفة. ففي الأيام الباردة، على سبيل المثال، يشغِّل الحاسوب مانعَي الصقيع الأمامي والخلفي لحظة تشغيل السيارة. أما، حينما يكون المحرك ساخنًا، فيتم تنشيط السخان وتشغيل المروحة حتى يتم الوصول إلى درجة الحرارة المطلوبة.
إعلام السائق باستمرار
يمكن إيصال معظم المعلومات التي أشرنا إليها آنفًا إلى السائق بواسطة تجهيزات إضافية خاصة. فالحاسوب لا يكتفي بإعلام السائق عن القراءات العادية كسرعة السيارة ومستوى الوقود، بل يؤدي دورًا تشخيصيًّا أيضًا؛ فعن طريق المتابعة المستمرة لجميع الحساسات الموجودة على السيارة، يعطي الحاسوبُ السائقَ تحذيرات مبكرة عندما يحدث خطأٌ ما.
وتوجد أيضًا نظم الملاحة المحوسبة التي تَعرض خرائط محلية ومسارات مفضَّلة إلى الوجهات المقصودة. وكذلك تساعد حساسات التوجيه والسرعة على تعقب مكان السيارة.
ونظرًا إلى التعقيد الكبير للإلكترونيات المستعملة في السيارات، وجب على مصلحي السيارات، من الآن فصاعدًا، استعمال حواسيب خاصة بتشخيص مشاكل المحرك؛ فمن شأن ذلك إنهاء حقبة التشخيص الميكانيكي.
التشخيص بالحاسوب
زُوِّدت السيارات المصنعة في العقدين الأخيرين بحاسوب للمساعدة على اكتشاف مشاكل المحرك أو أية مشاكل أخرى قبل أن تصبح أعطالًا. وصار بإمكان حاسوب السيارة فحص المحرك ومكوناته باستمرار للتأكد من جاهزيتها للعمل على الوجه المطلوب. وعندما تقع مشكلة ما، يشغَّل ضوء في لوحة القيادة لتنبيه السائق على هذه المشكلة واتخاذ ما يلزم لإصلاحها.
الوسائد الهوائية Airbags
تعتبر الوسائد الهوائية إحدى الوسائل الإضافية التي وفَّرتها الإلكترونيات لتحسين السلامة. تعرف الوسائد الهوائية تقانيًّا باسم "نظام تقييد الحركة التكميلي Supplementary Restraint System (SRS)، وهي تسعى إلى تأمين سلامة إضافية للسائق وللركاب الموجودين على متن السيارة. تعتمد تقانة الوسائد الهوائية على وضع حساسات إلكترونية تقيس مقدار التباطؤ الفجائي في مقياس التسارع، وتعطي عندئذ إشارة لفتح الوسائد بسرعة كبيرة. يعمل مصنعو السيارات حاليًّا على طرائق حديثة في الحسابات لجعل التقانة أكثر فعالية ولتجنب الفتح غير الضروري للوسائد. ستأخذ الطرائق الجديدة في الحسبان مكان المقعد، واستعمال حزام الأمان، ووزن شاغلي المقاعد للمساعدة على تحديد وقت فتح الوسائد.
نظام تحديد الموقع GPS
يُستعمل جهاز تحديد الموقع الأقمار الصنعية لمراقبة المظاهر المختلفة للسيارة؛ فباستعمال الأقمار الصنعية، صار بإمكان الشركات المشغلة لتقانات تحديد الموقع العثور على مكان السيارة، وسرعتها، والاتجاه التي تسير وفقه. ونتيجةً لذلك، أصبح بالإمكان تقديم خدمات مثل تحديد مكان السيارة في حال سرقتها.
أضف إلى ذلك، أن نظام تحديد الموقع يُعْلم السائقَ صوتيًّا خطوة بخطوة عن الاتجاه المطلوب للوصول إلى الوجهة المطلوبة، ويساعد أيضًا في حالات الطوارئ.
السيارات الهجينة Hybrid Cars
لا يمكن أن يكون هذا المقال كاملًا دون الخوض في الإلكترونيات المطلوبة لقيادة السيارات الهجينة؛ فسيارة تويوتا برايوس، على سبيل المثال، تسخِّر الإلكترونيات الرقمية لإدارة التغيير بين التراكيب المختلفة لمصادر الطاقة. وبفضل الإلكترونيات سيكون من السهل جدًّا إضافة شاشة مخصصة لاستهلاك الطاقة.