دراسات وأبحاث
السيارات ذاتية الحركة
العدد 161 | كانون اﻷول (ديسمبر)-2021

بقلم أسعد الأسعد
المسؤول الفني في شركة سيارات سابا

لطالما تأثرت صناعة السيارات بالتقنيات الحديثة والابتكارات الجديدة بهدف زيادة الرفاهية والتخفيف من المخاطر المترتبة على استعمالها. وقد أفضت إلى العديد من الاختراعات كنظام الفرامل المضادة للانغلاق ABS[1] ، ونظام الأكياس الهوائية [2] الذي يقدم حماية إضافية من حوادث الاصطدام، ونظام التحذير من الاصطدام الأمامي FCWS [3]. وفي حين أن الاختراعات السابقة هدفت إلى تقليل مخاطر الحوادث وحماية حياة الركاب، فإن نظمًا أخرى كنظام تثبيت السرعة التكيفي ACC[4]، والمقود الكهربائي، وعلب السرعة الأوتوماتيكية كانت تهدف إلى زيادة الراحة ومساعدة السائق في قيادة سلسة. ولكن، ومع وجود هذه التقنيات، فإن الإحصاء السنوي العالمي للحوادث يشير إلى أن 1.35 مليون شخص يفقدون حياتهم على الطرقات سنويًّا؛ أي بمعدل 3700 شخص يوميًّا. إنّ 94% من الحوادث المرورية سببها أخطاء بشرية يرتكبها السائقون أو عوامل ترتبط بذلك كأخطاء في اتخاذ القرار، والتقييم، والإدراك أو سوء الأداء. غير أن التوقعات تزداد تفاؤلًا بأن تقانة السيارات الذاتية القيادة قادرة على تجنب وقوع معظم الحوادث، ومن ثَم توفير عشرات مليارات الدولارات وحماية أرواح مئات آلاف الأشخاص حول العالم سنويًّا.

تاريخ السيارات الذاتية القيادة

تعود التجارب الأولى للسيارات الذاتية القيادة إلى خمسينيات القرن الماضي، ولكن أول سيارة ذاتية القيادة حقيقية لم تظهر حتى أوائل الثمانينيات؛ إذ طوَّر فريق بقيـادة أرنست ديكمانز في جامعة بوندزفير بميونخ في ألمانيا مركبةً موجهة بالرؤية الحاسوبية سارت بسرعة 100 كم/سا في ظل غياب الحركة المـرورية. وطـوَّر مختبـر نافلاب[5] بجامعـة كارنيغي ميلون سلسـلةً من ِ المركبات أطلق عليها تسميات نافـلاب1، نافـلاب2، ...، نافـلاب 11، وذلـك من منتصف الثمانينيات وحتى بداية العقد الأول من الألفيـة الثانية. وفي عام ،1995 انطلقت سيارة نافلاب5 في جولةٍ أطلق عليها اسم (بلا أيدٍ عبر أمريـكا[6])، سارت السيارة خلالها بنظام توجيه ذاتي بنسـبة 98% من وقـت الاختبار، في حيـن تولى السائق البشري التحكم بدواستي الوقود والفرامل. وسـعت جهـود أخرى شـبيهة في العالـم إلى تطوير المفاهيم الأساسية للمركبة المسـتقلة والطريـق السريع عام 1984 في مختبرات "نافلاب"، ومشروع مرسيدس بنز، وجامعة بندسويهر في ميونخ بألمانيا سنة 1987.

ومنذ ذلك الحين بدأت العديد من الشركات الكبرى والمنظمات البحثية تتهافت على الدخول في سباق تطوير نماذج أولية لسيارات ذاتية القيادة، وأخذ يتسارع تطوير هذه السيارات بمشاركة أكثر من 35 شركة سيارات وتقانة، منها: شركة ويمو، آبل، تسلا، أوبر، جنرال موتورز، تحالف فولفو-نيسان، إنتل، أودي، تويوتا، مرسيدس.

 

الشكل 1: سيارة جاكوار I-PACE الذاتية القيادة موديل 2019 من إنتاج شركتي ويمو وجاكوار

مستويات القيادة الذاتية

تعرِّف جمعية مهندسي السيارات (SAE[7]) 6 أتمتة القيادة الذاتية بستّة مستويات: من المستوى صفر إلى خمسة كما يلي:

المستوى 0 (بدون أتمتة): تشمل هذه الفئة معظم السيارات المتوفرة حاليًّا في الأسواق والتي يتولى فيها السائق مهمة القيادة الديناميكية. ومع أن هذه السيارات قد تكون مزودة بنظام مساعدة كنظام فرامل الطوارئ المساعدة (EBA[8])، ولكن بسبب أنها لا تقود السيارة عمليًّا لا يعتبر ذلك أتمتة للسيارة من وجهة نظر فنية.

المستوى 1 (مساعدة السائق): وهو أدنى مستويات الأتمتة، ولسيارات هذا المستوى نظام مساعدة وحيد للسائق، كالتوجيه أو التسارع. تعتبر السيارات المزودة بنظام تثبيت السرعة التكيفي الذي يضمن قيادة السيارة بسرعة محددة وإبقاءها على مسافة آمنة خلف السيارة التي أمامها، سيارات من المستوى 1، لأن السائق يراقب الجوانب الأخرى للقيادة مثل التوجيه والفرملة.

المستوى 2 (المساعدة الجزئية): لسيارات هذا المستوى نظم مساعدة متقدمة للسائق (ADAS[9] ). يمكن لهذه النظم التحكم في كلٍّ من التوجيه والتسارع للسيارة بدون تدخل السائق. ولكن لا ترقى هذه السيارات إلى أن تكون ذاتية القيادة لأنه لا بد من وجود العنصر البشري متمثلًا في السائق الحاضر للتدخل والسيطرة على السيارة في أي وقت. يعتبر نظام الطيار الآلي (Autopilot) الخاص بسيارات تسلا ونظام سوبر كروز الخاص بسيارات كاديلاك (لشركة جنرال موتورز)، كلاهما من المستوى 2.

المستوى 3 (المساعدة الشرطية): لدى سيارات هذا المستوى القدرة على مراقبة محيطها والتحكم في التوجيه والتسارع والفرامل على الطرق السريعة، وتستطيع اتخاذ بعض القرارات كتجاوز سيارة تسير بسرعة بطيئة، ولكن يجب أن يكون السائق جاهزًا لاستعادة السيطرة والتحكم بالسيارة إذا ما دعت الحاجة إلى ذلك. تُعدُّ سيارة أودي A8 الجديدة أول سيارة ذاتية القيادة من المستوى 3، حيث يمكنها بضغطة واحدة على زر Audi AI في الواجهة، أن تتحول إلى نظام طيار الازدحام المروري (A8s AI Traffic Jam Pilot) الذي يتحكم بالانطلاق والتسارع والتوجيه والفرامل في السرعات البطيئة (أقل من 60 كم/سا) على الطرق السريعة؛ حيث يفصل حاجر مادي (إسمنتي، أو معدني..) بين مسارَي الذهاب والإياب. يستطيع نظام Traffic Jam Pilot أيضًا التعامل مع بعض حالات القيادة المعقدة، كتجاوز السيارات أو السماح للسيارات بتجاوزها، وذلك بفضل وحدة التحكم في مساعدة السائق المركزية (zFAS)، والمعطيات الواردة من أجهزة الاستشعار الأخرى كالرادار والكَمِرات. وعندما تزيد السرعة على 60 كم/سا أو تتغير ظروف الطريق تنتهي مهمة نظام القيادة الذاتية وينبَّه السائق بضرورة تولي القيادة.

المستوى 4 (الأتمتة العالية): تتشابه السيارات عند هذا المستوى مع السيارات من المستوى 3 من جهة القدرة على مراقبة محيطها والتحكم في التوجيه والتسارع والفرامل مع وجود سائق بشري على متنها ومقود وملحقات نظام التوجيه البشري. إلا أن الفارق الرئيسي بينهما هو أن السيارات من المستوى 4 قادرة على اتخاذ القرارات حتى في المواقف الحرجة. لذلك لا تتطلب هذه السيارات تدخلًا بشريًّا في معظم الأحيان، وذلك مع الإبقاء على خيار القيادة الديناميكية.

في عام 2017 بدأت شركة Waymo من Alphabet[10] باختبار سياراتها من المستوى 4 في مدينة فينكس في ولاية أريزونا. وبعد اختبارات دامت قرابة العام قطعت خلالها السيارات ما يزيد على 16 مليون كم من القيادة الذاتية أطلقت الشركة في عام 2018 خدمة Waymo One، وهي خدمة سيارات أجرة ذاتية القيادة محدودة بعملاء يُختارون سلفًا.

المستوى 5 (الأتمتة الكاملة): في هذا المستوى يتم التخلص من "مهمة القيادة الديناميكية" نهائيًّا، ولا تتطلب القيادة أي تدخل بشري. فسيارات هذا المستوى لا تحتوي على مقود ولا دواسة وقود ولا فرامل. وستكون آمنة وتستطيع القيام بجميع مهام السائق البشري المحترف.

هناك العديد من السيارات من المستوى 5 حاليًّا (حتى تاريخ كتابة هذا البحث-حزيران 2020)، ولكنها ما تزال في قيد التجربة؛ كسيارة SeDriC من فوكس فاكن، وسيارة Audi AI: CON التي يتوقع ظهورها في القريب العاجل.

ملاحظة: تجدر الإشارة إلى وجود تصنيف آخر لمستويات القيادة الذاتية للسيارات وضعته الإدارة القومية للسلامة المرورية على الطرق السريعة في الولايات المتحدة (NHTSA). يتكون هذا التصنيف من خمسة مستويات للقيادة الذاتية تتدرج من صفر إلى أربعة؛ وهي: المستوى 0 (بدون أتمتة)، المستوى 1 (أتمتة وظائف محددة)، المستوى 2 (أتمتة وظائف مجتمعة)، المستوى 3 (أتمتة محدودة للقيادة الذاتية)، المستوى 5 (أتمتة كاملة للقيادة الذاتية). ولما كان هذا التصنيف غير معتمد خارج الولايات المتحدة، فقد ركَّز هذا البحث على تصنيف مجتمع مهندسي السيارات.

نظم المعلومات في السيارات الذاتية القيادة

إن السيارات الذاتية القيادة ما هي في الحقيقة إلا روبوتات صمِّمت لتحلّ محلّ السائق في المستقبل أو مساعدته حاليًّا، ولذلك فهي تخضع للتصميم المعروف في تقانة الروبوتات (الاستشعار – التخطيط – التنفيذ). وكما هو متوقع، فإن السيارة المزودة بمجموعة من نظم الاستشعار تقوم بمهمة جمع معطيات أولية عن المحيط الخارجي ووضع المركبة في بيئتها المحيطة لتقوم خوارزميات البرمجيات بتفسير تلك المعطيات (مثلًا خطوط المسارات على الطرق الرئيسية من معالجة صور الكَمِرة وموقع وسرعة السيارات المجاورة من معطيات الرادار وموقع السيارة نفسها من معطيات نظام الـ GPS) والاستفادة منها في وضع الخطط لأفعال السيارة كمسارها على الطريق والقرارات الفورية كالإسراع وتغيير الاتجاه. وتتحول هذه الخطط بدورها إلى أوامر للتنفيذ توجَّه إلى نظام التحكم بالمركبة كنظام التوجيه ودواسة الوقود والفرامل. وتجدر الإشارة إلى أن الآلية السابقة الذكر (الاستشعار – التخطيط – التنفيذ) تحدث في حلقات متوازية ومتكاملة دون أن يعيق أحدها الآخر. فقد تعمل إحدى الحلقات على تشغيل فرامل الطوارئ، في الوقت الذي تقوم فيه حلقة أخرى بتخطيط وتنفيذ سلوك معقد كتغير المسار فجأة وتفادي الاصطدام.

نظم تخطيط المسار

بعد قيام النظم بجمع المعلومات، وتحليلها، ورسم الخرائط الثلاثية الأبعاد، وتحديد المخاطر، والإنذار بالحوادث، والإشعار بحالة الطرق والاكتظاظ، وفهم الإشارات المرورية، والكشف عن العوائق والسيارات، وتعرُّف الأجسام؛ فإن المهمة الملقاة على عاتق نظم تخطيط المسار كبيرة جدًّا، فهذه النظم مسؤولة عن الاستفادة القصوى من هذه المعلومات لتقرير أفضل المسارات التي يمكن السير فيها واختيار المسار الأكثر أمانًا.

فيما يلي أهم الخوارزميات المتبعة في نظم تخطيط المسار:

مخطط فورونوي[11]: خوارزمية تعتمد على تحقيق أكبر مسافة ممكنة بين السيارة والعوائق المحيطة (الشكل (a) 2)

 شبكة الإشغال[12] : خوارزمية مشابهة لخوارزمية فورونوي، غير أنها تقوم بتقسيم الطريق إلى شبكة من الخلايا. وعند حساب المخاطر وجدوى الطريق الأمثل تأخذ خطوط الحارات وحدود الطريق في الحسبان. (الشكل (b) 2)

خرائط التكلفة[13]: خوارزمية مشابهة لخوارزمية الإشغال، غير أنها تصنِّف الخانات بإعطائها "أوزانًا" (الخانة ذات الوزن الأكبر هي الأكثر تكلفة) وعند حساب جدوى المسارات الممكنة يُختار المسار الأقل تكلفة. (الشكل (c) 2)

الولايات المتشابكة: تعتمد هذه الخوارزمية على مبدأ تعميم الشبكات؛ إذ تقوم حين تقسم الطريق بتكرير أشكال هندسية بسيطة كالمثلثات أو المربعات لتكوين شبكة ترتبط جميع نقاطها بخطوط مستمرة تشكل مسارات مبدئية، ثم تقوم بالمقارنة بين جميع المسارات المبدئية المحتملة للسيارة. (الشكل (d) 2)

ممرات القيادة[14]: تقوم هذه الخوارزمية بإنشاء مساحات خالية من التصادم تحدها الممرات والعوائق التي من المحتمل أن تعبر السيارة من خلالها. ويجري إنشاء هذه الممرات اعتمادًا على الخرائط الرقمية التي تم انشاؤها باستعمال تقنية التموضع ورسم الخرائط الآني (SLAM[15]). (الشكل (e) 2)

النتائج

بينما لا يزال وجود سيارة خالية تجوب الطرقات بمفردها يعد منظرًا مثيرًا للدهشة أقرب إلى أفلام الخيال العلمي والرعب منه إلى الواقع الذي نتخيله. ولكن ذلك اليوم الذي ستصبح فيه السيارات ذاتية القيادة جزءًا من واقعنا –على حدِّ قول شركات السيارات - أقرب مما يبدو في المرآة. ويتوقع أن العام 2025 سيكون العام الذي تتوفر فيه السيارات الذاتية القيادة من المستوى 5. وسنشهد في القريب العاجل تعديلات على القوانين والتشريعات التي ستتغير لتلائم واقعًا تسير فيه الروبوتات على الطرقات؛ وتُرفَع الدعاوى في المحاكم على الشركات المصنعة لتسبب أحد سياراتها بصدم سيارة أخرى أو عابر مشاة. وكما هو متوقع هناك سؤال يقض مضجع شركات تصنيع السيارات العادية لا سيما تلك التي تخلفت عن الركب ولم تدخل عالم السيارات الذاتية القيادة بَعدُ، والتي ما تزال تحاول مقاومة تقبل الحقيقة بأن السيارات الذاتية القيادة هي المستقبل الجديد لصناعة السيارات.

في نهاية هذا البحث نطمئن شركات السيارات بأنها ستستطيع في المستقبل القريب شراء تقانة السيارات الذاتية القيادة بدلًا من صناعتها وتطويرها. وهناك العديد من الشركات (كشركة آبل مثلًا) التي تعمل حاليًّا على تطوير نظم القيادة الذاتية بدلًا من تطوير سيارات خاصة بها بهدف ترقية وتحديث أي سيارة عادية إلى سيارة ذاتية القيادة. وبالطبع زبائن هذه النظم سيكونون هم أنفسهم مَن تأخروا عن اللحاق بركب التقانة.

 

المراجع

  1. https://modo.volkswagengroup.it/en/mobotics/tomorrow-autonomous-driving-today-the-traffic-jam-pilot (2020, june)
  2. https://www.theverge.com/2019/12/9/21000085/waymo-fully-driverless-car-self-driving-ride-hail-service-phoenix-arizona
  3. Hecht, J. (2018). Lidar for self-driving cars. Optics and Photonics News,29(1), 26-33.
  4. Garcia, M., Davis, T., Blair, S., Cui, N., & Gruev, V. (2018). Bioinspired polarization imager with high dynamic range. Optica, 5(10), 1240-1246.
  5. Rao, Q., & Frtunikj, J. (2018, May). Deep learning for self-driving cars: chances and challenges. In Proceedings of the 1st International Workshop on Software Engineering for AI in Autonomous Systems (pp. 35-38).
  6. https://www.businessinsider.com/no-one-will-own-a-car-in-the-future-2017-5?IR=T (2020, June)

 


[1] Anti-lock braking system

[2] AIRBAG system

[3]Forward Collision Warning Systems

[4] Adaptive Cruise Control

[5] NavLab

[6] No Hands Across America

[7] Society of Automotive Engineers

[8] Emergency Brake Assist

[9] Advanced Driver Assistance Systems

[10] ألفابت هي الشركة الأم لغوغل

[11] Voronoi Diagram

[12] Occupancy gride

[13] Cost maps

[14] Driving corridors

[15] Simultaneous Localization And Maping

 

قد ترغب كذلك بقراءة
السيارات الهجينة
نمذجة ومحاكاة حركة السيارات والتحكم فيها باستعمال Matlab/Simulink
الحواسيب وصناعة السيارات
استعمال تقانات التعلم الآلي لتوفير اتصالات آمنة للمركبات في إنترنت المركبات
كيف يمكن أن يسهم الذكاء الصنعي في تطوير السيارات الذاتية القيادة
أتمتة المركبات
التطبيقات المساعدة في إدارة موارد المؤسسة
وحدة التحكم والكمبيوتر في السيارة