دراسات وأبحاث
التكنولوجيا في مواجهة كوفيد-19
العدد 152 | نيسان (أبريل)-2020

بقلم محمد حمامي
دكتور باحث

كانت تقانات الذكاء الصنعي أول من أنذرتنا بإرهاصات تفشي الوباء كوفيد-19 (فيروس كورونا المستجد)، وقدّمت هذه التقانات ومازالت تقدِّم الكثير من الخدمات في التصدي لهذا الوباء.

تلقي هذه المقالة الضوء على أبرز إسهامات التقانات الرقمية في التصدي لهذا الوباء حتى تاريخ إعداد هذه المقالة.

حذّر بيل غيتس، الذي يعدُّ من أهمّ مؤسسي ومطوّري التقانات في العالم، في 2015 من عدم قدرة النوع البشري على التصدّي لأي وباء خطير قادم، وذلك لأن استثمار البشر في مجالات الصناعات الحربية والاستهلاكية أكثر بكثير من استثمارهم في المجالات الصحية والدوائية. هذا التحذير كان أول علاقة بين قطاع التقانات وأزمة كوفيد 19.

  • استشراف الخطر

قامت شركة الذكاء الصنعي Blue Dot، التي تسخِّر التعلم الآلي لمراقبة انتشار الأمراض المعدية في جميع أنحاء العالم، بإصدار تحذير بوجود زيادة غير طبيعية في الإصابة بذات الرئة في مدينة ووهان الصينية، التي سمتها منظمة الصحة العالمية لاحقًا بـ (كوفيد-19). كذلك أشارت شركة Metabiota وخدمة Health Map في مشفى الأطفال ببوسطن إلى وجود دلالات على مرض وبائي قادم.

  • التشخيص المبكر

منذ بداية انتشار فيروس كوفيد-19، حاول العلماء الوصول إلى آلية تشخيص لهذا المرض بحيث تكون سريعة وذات موثوقية كبيرة. يجري الآن الاعتماد على اختبار البلوليميراز التسلسلي PCR الذي يتطلب بيئة مخبرية مناسبة، لكنه يستغرق بعض الوقت للوصول إلى نتيجة. ولتسريع عملية التشخيص عكف خبراء الذكاء الصنعي على تحليل صور الرئتين السينية والثلاثية الأبعاد.

ومعلوم لدى المختصين أنه يمكن أن تساعد مشاركة المزيد من بيانات المرضى، وكذلك أساليب التعلم الآلي -التي تسمح للنماذج بالتدرب حتى بوجود القليل من البيانات كالتعلم السريع الذي يسمح للذكاء الصنعي- بتعلم النماذج بالاعتماد على عدد قليل من النتائج فقط، والتعلم بالنقل حيث يمكن تكييف نموذج ذكاء صنعي تمّ تدريبه مسبقًا للقيام بوظيفة ما، لتنفيذ مهمة أخرى مشابهة للأولى.

تعتبر الشبكة العصبونية التلفيفية Covid-Net التي أنشأها فريق من الباحثين من جامعة Waterloo وشركة DarwinAI الكنديتين أحد أهم المساهمات في هذا المجال. يمكن أن تساعد هذه الشبكة على تطوير أداة ذكاء صنعي تستطيع اختبار إصابة الأشخاص بفيروس كوفيد-19. تم تدريب هذه الشبكة العصبونية على ما يقارب من 6000 آلاف صورة أشعة سينية صدرية لـ 2800 مريض مصابين بأمراض صدرية، ومنها Covid-19. تشبه هذه الشبكة شبكتي ImageNet و AlexNet الشهيرتين في مجال الرؤية الحاسوبية. وأعلنت العديد من الفرق البحثية تطوير أدوات ذكاء صنعي تستطيع تشخيص الإصابة بفيروس كوفيد-19.

 

كذلك، يطور باحثون صينيون نظام تعلم عميق ضعيف التوجيه باستعمال صور مقطعية محوسبة ثلاثية الأبعاد مستخرجة من تقسيم صورة الرئة باستعمال شبكة Unet، وادَّعى هؤلاء تحقيق نتائج واعدة بدقة 90% وبسرعة تشخيص تقارب الثانيتين فقط، رغم الانتقادات على مجموعة التدريب القليلة وغير المتنوعة.

  • مكافحة الانتشار

في الوقت الذي اعتُمدت فيه إجراءات الحظر والتباعد الاجتماعي في معظم بلدان العالم لوقف انتشار العدوى، استُعمل الذكاء الصنعي واختراعات تقنية أخرى لدعم إجراءات مكافحة انتشار الوباء. وأثبتت الأزمة الحالية تفوُّق الصين على بلدان العالم في المجال التقني والذكاء الصنعي، إذ سخَّرت شركاتُها العامة والخاصةُ التقاناتِ لتشكيل غرفة عمليات للدفاع عن المجتمع ضد هذا الوباء مستفيدة من البيانات الضخمة التي تمتلكها ومنهجيات وأجهزة الذكاء الصنعي. إذ يتوفر لدى الصين حجم هائل من البيانات عن السجل الصحي والملف الجنائي وخارطة السفر بوسائل النقل العامة للمواطنين، وبذلك تمكّن المسؤولون من معرفة جميع الأشخاص الذين خالطهم أي مريض، ومن ثم حجرهم صحيًّا. وتمّ تطوير تطبيق الرماز الصحي الذي يصنِّف ملايين المواطنين يوميًّا، إذ بمجرد إدخال الرقم الوطني في التطبيق، يمكن معرفة خارطة الأشخاص المشكوك في إصابتهم بفيروس كورونا من حول الشخص. كما يعطي التطبيق رماز QR ملون لكل شخص يتطلب إظهاره في الأماكن العامة؛ إذ يسمح لحاملي رماز من اللون الأخضر أن يستعملوا الخدمات العامة، أما حاملو الرمازات الصفراء والحمراء فيحظر عليهم استعمالها.

أما في تايوان، فقد وضع المركز الوطني لقيادة التدخل في مجال الصحة -الذي أنشئ سنة 2004 إبان انتشار فيروس سارس- خططًا مشابهة لتلك التي وضعتها الصين اعتمادًا أيضًا على بيانات ضخمة عن المواطنين. واتخذت كوريا الجنوبية والإمارات والمغرب نفس المنهجية في ذلك. فأطلقت دبي خدمة الطبيب الافتراضي لكوفيد-19، وهو عبارة عن ChatBot معتمد على الذكاء الصنعي ومتاح باللغتين العربية والإنجليزية، يطرح مجموعة من الأسئلة حتى يتمكن من تقييم حالة المتصل واحتمال إصابته بفيروس كوفيد-19. وطوَّرت وزارة الداخلية الكورية تطبيقًا يتيح للأشخاص - الذين طُلب إليهم عدم الخروج من منازلهم - البقاءَ على اتصال بالعاملين للإبلاغ عن أعراضهم وتقديم تحديثات عن حالاتهم للموظفين المتابعين لحالاتهم وتحديد مكانهم بواسطة GPS للتأكد من التزامهم بالحجر.

  • المساعدة في الحياة

استُعملت الروبوتات وأجهزة إنترنت الأشياء في الصين لعمليات التمريض وخدمة عشرين ألف مصاب في المشفى الميداني الذكي في مدينة ووهان وجمع معلوماتهم الحيوية عن حالتهم الصحية عن بعد.

 

كما استُعملت الروبوتات في عمليات تعقيم الشوارع وفحص المارة فيها وإعطائهم إرشادات صوتية. واستَعملت شركاتُ التجارة الإلكترونية عرباتٍ ذاتيةَ القيادة لتوصيل الطعام والبضائع للعاملين في المجال الصحي. وهذا، على عكس أمازون التي استقدمت 100 ألف عامل إضافي في الولايات المتحدة الأميركية للتعامل مع ارتفاع غير مسبوق في طلبات التوصيل بالإنترنت.

 

واستعملت الصين الطائرات المسيرة في عمليات نقل الإمدادات ومستلزمات الحجر الصحي وعينات المرضى بين المستشفيات والمراكز الطبية، وكذلك لمراقبة المدينة واكتشاف المخالفين للقواعد الصحية وقياس درجة حرارة الناس عن بعد.

  • الاستشفاء وإيجاد العلاج

أتاحت شركة Baidu العملاقة منصتها الخاصة لتنفيذ خوارزمية الطي الخطي Linearfold Algorithm كي يستعملها العلماء والفرق الطبية التي تعمل على مكافحة تفشي الفيروس من أجل فهم البنية النووية لكوفيد-19 لتتمكن من إدراك كيفية انتشار الفيروس. وفعلًا تمكَّن العلماء مثلًا من تخفيض الزمن اللازم لتوقع البنية الثانوية لفيروس كوفيد-19 من 55 دقيقة إلى 27 ثانية فقط، أي تم تسريع العملية بنحو 120 مرة. وبنفس المنهجية، يمكن تشغيل خوارزميات التعلم غير الموجه لمحاكاة جميع المسارات التطورية للفيروس وإضافة لقاحات محتملة أيضًا، لرؤية ما إذا كانت الفيروسات ستتحول لزيادة مقاومتها لأي لقاح محتمل، مما يسمح لمختصي الفيروسات باستباق هذا التطوير ببضع خطوات وتركيب لقاحات مناسبة لأي من هذه التحولات المميتة، بحيث يساعد على تقصير الزمن اللازم لتطوير لقاحٍ ذي كفاءة عالية، وبما قد يسهم في إنقاذ حياة الآلاف، وربما الملايين.

  • أجهزة التنفس الصناعي

تبيَّن خلال هذه الوباء الحاجة الشديدة لأجهزة التنفس الصناعية ومكوناتها المستهلكة والكمامات. حاولت الكثير من الشركات استخدام الطباعة المجسمة لإنتاج كميات من تلك المواد - وإن كانت ضئيلة - لسد الطلبات الكثيرة لمواجهة كوفيد-19. وفي بادرة إنسانية طرحت العديد من الشركات المصنعة لأجهزة التنفس الصناعية تصاميمها بالمجان لتصنع في أي مكان؛ مثل شركة Medtronic. وكذلك تطور جامعة MIT نموذجًا بسيطًا للتصنيع. وفي سورية قامت عدة جهات صناعية في كل من حلب ودمشق بتطوير نماذج أولية لجهاز التنفس الصناعي ليعرض على وزارة الصحة لأخذ الموافقات اللازمة لاعتماده. وفي عُمان، نقلت وسائل إعلام عُمانية عن شركة عمانية قولها إنها اختبرت جهاز تنفس صناعي أنتجته في المستشفى السلطاني بمحافظة مسقط، وأثبت كفاءة عالية. كما حولت كثير من الشركات نشاطها بطلب حكومي أو بمبادرة ذاتية لتصنيع أجهزة التنفس الصناعية كشركة دايسون التي وظفت خبراتها في تصنيع المكانس الكهربائية لتطوير أجهزة التنفس الصناعي.

  • أخيرا....

ما قبل كوفيد-19 ليس كما بعده في كل المجالات، وليس من الصعوبة رؤية كيف ساعدت التقاناتُ البشريةَ على التعامل مع هذا الوباء وحصاره ومعالجته والوقاية منه. فهل يدفعنا النموذج الصيني بالذات للتفكير وتغيير وتطوير أدواتنا العلمية والتكنولوجية إلى أقصى حد ممكن لما فيه خدمة وصحة البشر.

 

  • المراجع
 
 
 
 
 
 
 
 
قد ترغب كذلك بقراءة
التعليم عن بعد..ماله وماعليه
التعلم الآلي عن طريق البرمجة الاحتمالية
وصولية الأشخاص ضعاف البصر إلى صفحات الوب
تطبيقات النمذجة الرياضية في التنبؤ بانتشار الأوبئة (فيروس كورونا)
المترجم الآلي للغة الإشارة