بقلم حاتم نجدي
باحث في المعهد العالي
سيطرت الشبكات الاجتماعية خلال ما يزيد على عشر السنوات الماضية على حياة الناس، وغدت تطبيقاتها نقطة الدخول المفضلة إلى المحتوى الرقمي في الوب. وتُظهر الإحصاءات أن اليافعين والشبان يقضون ما يزيد على تسع ساعات يوميًّا وهم يتصفحون شبكات التواصل الاجتماعي باستعمال الهواتف الذكية غالبًا.
ومن الواضح أن لشبكات التواصل الاجتماعي محاسنها ومثالبها، إلا أن مسألة الخصوصية تقع في مقدمة تلك المثالب. وبحسب ما يقال، يمثل مستعملو شبكات التواصل الاجتماعي "مُنتَجات" مجانية للعديد من تلك الشبكات. فهي توفر لك الدخول المجاني إليها في مقابل أشياء ثمينة تحصل عليها من خلال سلوكك وتفضيلاتك وعاداتك وصِلاتك وموقعك والمحتوى الذي قد تقدمه إليها. ومعظم تلك المثالب ينبثق من كون السيطرة الفعلية على الشبكة وعلى بيانات مستعمليها مركزية وبيد مالك المنصة. ولا بد أنك على دراية بفضيحة فيسبوك التي تمثلت ببيع بيانات ملايين مستعملي الشبكة إلى شركات تهتم بها؛ فأنت هو "المنتَج" المجاني الذي تسوِّقه منصات التواصل الاجتماعي. ومن الواضح أن فضيحة فيسبوك قد أفضت إلى مشكلة كبرى، هي مشكلة الثقة.
لكن سلسلة الكتل، بطبيعتها اللامركزية والموزعة، والمستندة إلى قيام عدد كبير من المحقِّقين بالتدقيق في سلامة وصحة بيانات مستعمليها، تمثل الموئل الذي يمكن الركون إليه لحماية الخصوصية التي استباحتها شبكات التواصل الاجتماعي الحالية، والتي انبثقت من الصفر مستغلة واحدة من أكثر احتياجات الناس الأساسية، ألا وهي التواصل.
إن سلسلة الكتل تمثل تغيُّرًا جوهريًّا في عالم التواصل إلى حد أنها اعتُبرت الشيء الكبير التالي الموازي للوب أو حتى المتفوق عليه، وما دخول شبكات التواصل الاجتماعي إليها لتحتضنها سوى تحصيل حاصل بعد أن احتضنت الوب تلك الشبكات.
فكيف ستبدو شبكة سلسلة الكتل الاجتماعية المستقبلية؟
- سلسلة الكتل الاجتماعية[1] مجانية تقريبًا
إن منصة سلسلة الكتل هي منصة مجانية تقريبًا، إذ لا يوجد وسيط لإجراء المبادلات فيها. طبعًا، الدخول المجاني غير المحدود إلى المنصة يحتاج إلى نفقات تُصرف على التطوير وبنية المنصة التحتية وأجور العاملين الذين يديرون الشبكة. والدعاية والإعلان هما مصدر هذا التمويل.
- في سلسلة الكتل الاجتماعية أنت لست مُنتَجًا
تُمثِّل شبكات التواصل الاجتماعي منجمًا غنيًّا بمعلومات المستعملين، خاصة وأنها تضع يدها على المحتوى الذي ترسله إليها فورًا بعد إرساله. وهذا منصوص عليه صراحة في شروط الخدمة Terms of Service التي تعتمدها جميع منصات التواصل الاجتماعي التي تعتبر ذلك المحتوى ملكًا لها. أما سلسلة الكتل الاجتماعية فلا تفعل ذلك.
- بياناتك تحت سيطرتك في سلسلة الكتل الاجتماعية
لا يمكن لأحد أن يتصرف ببياناتك وبالمحتوى الذي تقدمه للشبكة دون موافقتك. وهذا يدرأ سرقة المحتوى وتزييفه وانتحال شخصية المالك وجميع الأنشطة المشابهة الأخرى.
- خصوصيتك محفوظة في سلسلة الكتل الاجتماعية
من المعروف أن شبكات التواصل الاجتماعي تتجسس عليك؛ فهي تدخل إلى جهازك، سواء أكان حاسوبًا أم هاتفًا ذكيًّا، وتسرق محتوياته وتشغل مكرفونه وكمرته لتتنصت عليك. وقد لا يكون ذلك موضع اهتمام للكثيرين، أما أولئك الذين يخشون التجسس عليهم فإنهم يفضلون عدم الاشتراك في تلك الشبكات من حيث المبدأ، برغم محاسنها من حيث التواصل وتبادل الأفكار والتعاون في مجالات العمل.. إلخ. وهنا تأتي سلسلة الكتل الاجتماعية لتقوم بدورها في حماية خصوصية المستعملين، وحتى في تحقيق سرية المعلومات التي يجب ألا تتاح إلا لمن ترغب في إتاحتها لهم.
- حرية التعبير مضمونة في سلسلة الكتل الاجتماعية
من السمات الأساسية لسلسلة الكتل إمكان الإبقاء على هوية المستعمل مغفلة مع الحفاظ على عائدية المحتوى. وهذا مفيد لأولئك الذين يخشون رقابة السلطات التي تحصل في معظم الدول، وفي مقدمتها تلك المتطورة تكنولوجيًّا. وقضيتا إدوارد سنودن وجوليان أسَّانج مثالان صارخان على ذلك. يُضاف إلى ذلك أن منصات التواصل الاجتماعي التي توفر اتصالات مجانية معماة، كالواتسأب مثلًا، لا تحمي من تحليل مواصفات الحركة التي تتمثل باسمي مرسل المعلومات ومستقبلها ومكانيهما ووقت اتصالهما، وتلك بيانات تنطوي على كثير من المعلومات المفيدة لمسترق السمع.
- سلسلة الكتل الاجتماعية توفر المبادلات المالية والأنشطة التجارية
في البداية، اخترع ساتوشي سلسلة الكتل لتكون حاضنة للبتكوين التي هي أول عملة رقمية معمَّاة. ومن البديهي أن تتضمن شبكة سلسلة الكتل الاجتماعية إمكانات تنفيذ المبادلات المالية والأنشطة التجارية فيها إلى جانب وظائف التواصل الاجتماعي.
- لا وسطاء في سلسلة الكتل الاجتماعية
يمكن لمنتجي المحتوى أن يديروا شؤونهم المالية مباشرةً وبأنفسهم عن طريق المبادلات المالية التي توفرها سلسلة الكتل، وذلك خلافًا لما تفعله شركات التواصل الاجتماعي التي تفرض رسومًا على المحتوى الذي يُنشر لديها.
- سلسلة الكتل الاجتماعية تسمح بالربح من بيع المحتوى
على غرار شبكات التواصل الاجتماعي الحالية، تسمح سلسلة الكتل الاجتماعية ببيع المحتوى الرقمي وجني الأرباح منه.
- سلسلة الكتل الاجتماعية تسمح بجمع التبرعات الخيرية
توجد في الوب أنشطة لجمع التبرعات الخيرية، لكن تلك الأنشطة تعتمد على ثقة المتبرعين بالقائمين على إدارة التبرع. أما سلسلة الكتل الاجتماعية، فإنها توفِّر تلك الثقة تلقائيًّا بسبب طبيعتها اللامركزية والموزعة، وبسبب آلية التحقُّق التي تقوم عليها.
- سلسلة الكتل الاجتماعية تسمح بتمويل المشاريع جماعيًّا
يُعدُّ التمويل الجماعي للمشاريع واحدًا من الأنشطة الشائعة في الوب الحالية. ففي عام 2015، تم جمع أكثر من 34 مليار دولار لأغراض التمويل الجماعي. وسلسلة الكتل بيئة ملائمة جدًّا لأنشطة من هذا القبيل.
- سلسلة الكتل الاجتماعية توفر إمكانات الدعاية والإعلان
يمكن لمستعملي سلسلة الكتل الاجتماعية وضع دعايات وإعلانات في الشبكة، مقابل رسوم بسيطة يجري توزيعها بصفتها أرباحًا على المشتركين في الشبكة.
- سلسلة الكتل الاجتماعية تمنع بوتات[2] الإنترنت
غدت البوتات غير المشروعة من التهديدات الحقيقية لمصداقية الشبكات الاجتماعية، على حين أن سلسلة الكتل تحدِّد البوتات المشروعة وتسجِّلها، وتمكِّن الشركات من استعمالها لتبادل البيانات فيما بينها.
- سلسلة الكتل الاجتماعية تمنع الأخبار الزائفة
من مثالب شبكات التواصل الاجتماعي الحالية أنها تمثل مسرحًا للأخبار الكاذبة والزائفة والمضللة. أما سلسلة الكتل، فهي الوسيلة التي يمكن أن تستيقن أصالة الأخبار وصحتها، وتستبعد الأخبار الكاذبة، وذلك بفضل آلية التحقُّق التي تقوم عليها.
- سلسلة الكتل الاجتماعية تدرأ التحريض والحضّ على الكراهية
من الإمكانات التي تنطوي عليها شبكات التواصل الاجتماعي الحالية سهولة الحض على الكراهية القائمة على العرق والدين والمذهب.. إلخ. أما سلسلة الكتل الاجتماعية، وبفضل آلية التحقُّق المتضمَّنة فيها، فتستطيع كشف الأنشطة التي من هذا النوع ودرئها.
- لكن هل تستطيع سلسلة الكتل الاجتماعية منع تمويل الأنشطة غير المشروعة؟
بيَّنت الأحداث الإرهابية التي انتشرت في السنوات الماضية أن شبكات التواصل الاجتماعي وفَّرت للإرهابيين وسيلة تواصل مجانية مضمونة مكَّنتهم من تنظيم وتخطيط عملياتهم ومن تجنيد المقاتلين في صفوفها من مختلف أنحاء العالم. ومثَّلت سلسلة الكتل منصة خصبة جدًّا للأنشطة غير المشروعة، خاصة المبادلات المالية الخاصة بتهريب المخدرات والابتزاز وتمويل الإرهاب. فهل تستطيع سلسلة الكتل الاجتماعية منع تلك الأنشطة، خاصة وأنها توفر إمكان إغفال الهوية والمبادلات المالية غير المشروعة؟
لقد غيرت شبكات التواصل الاجتماعي الوب، وسلسلة الكتل الاجتماعية هي القوة الجديدة التي سوف تُحدِث تغييرًا ثوريًّا جديدًا فيها على المدى المنظور. وإذا كانت شبكات التواصل الاجتماعي هي حاضنة الصداقة التي أتت بها الوب، فإن سلسلة الكتل الاجتماعية ستكون الحاضنة الأمينة للصداقة.
[1] ليس المقصود بسلسلة الكتل الاجتماعية هنا شبكة محددة، بل استُعملت هذه التسمية للتعبير عن مفهوم الشبكات الاجتماعية التي تستند إلى سلسلة الكتل.
[2]bot. روبوت الإنترنت