بقلم غسان سابا
مدير بحوث
احتفل العالم هذا العام بذكرى مرور عشر سنوات على إطلاق عملة البتكوين bitcoin (المقصود هنا تاريخ تنقيب أول سلسلة لها، التي تعرف باسم سلسلة الأصل genesis block mining). وهذه العملة هي أول عملة رقمية تعموية مفتوحة المصدر، ومن نوع (نِدّ لِنِدّ Peer to Peer). وقد جرى تطويرها وإطلاقها عام 2008 بفضل مجموعة من المبرمجين اشتُهروا باسم (ساتوشي ناكاموتو Satoshi Nakamoto).
شجع النجاح الباهر لهذه العملة بعض الشركات والدول على إطلاق عملات تعموية خاصة بها، حيث وصل عدد العملات التعموية بتاريخ 16 آب 2018 إلى 1600 عملة.
وهذه العملة لا تعتمد على أي مخدم مركزي لإصدارها أو تخزينها أو تداولها، بل تعتمد على تقانة تستند إلى شبكة من قواعد البيانات العامة تسمى (سلسلة الكتل Blockchain). تَستعمل سلسلةُ الكتل التوقيعَ الرقمي، وهي مدعومة ببروتوكول (إثبات العمل proof-of-work) لتحقيق الأمن والشرعية عند تداول العملة. يجري إصدار عملة البتكوين، المسقوفة بمبلغ إجمالي قدره 21 مليون بتكوين، بواسطة مستثمرين مزوَّدين بإمكانات التنقيب البرمجي.
لعل أهم ما قدمته عملة البتكوين للبشرية هو مفهوم (سلسلة الكتل)، الذي سيكون ملف هذا العدد الإلكتروني من مجلة المعلوماتية. فإذا قسمنا تطور استعمال سلسلة الكتل إلى عدة أجيال، فيمكننا القول إنه في الجيل الأول كان استعمال سلسلة الكتل محصورًا بالعملات التعموية، ثم انتقل في الجيل الثاني إلى استعمال سلاسل الكتل في التطبيقات المالية والاقتصادية، وظهر ما يعرف بالاقتصاد المعتمد على سلسلة الكتل Blockchain-based economy . أما في الجيل الثالث فقد بدأ استعمال سلاسل الكتل في أنواع أخرى من التطبيقات مثل: إدارة الهويات الرقمية، والعقود الذكية، وشركات التأمين، والحكومات الرقمية وغيرها.
أما فيما يخص المصارف المركزية، فبات أكثر من 40 مصرفًا في أنحاء العالم يخططون حاليًّا لاستعمال سلاسل الكتل حسب تقرير للمنتدى الاقتصادي العالمي World Economic Forum.
أخيرًا، بعد أن عزلت بعض الحكومات مفهوم العملات التعموية عن سلاسل الكتل، بدأت، هذه الحكومات، باختبار إمكانات الحلول المعتمدة على سلاسل الكتل علَّها تجد حلولًا لبعض مشاكلها. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الحكومات لم تنتظر الشركات الخاصة لاختبار إمكانات سلاسل الكتل ونشرها، وإنما بدأت العمل والاختبار في الوقت نفسه.
ويعود الهدف الرئيسي الكامن خلف تطوير ونشر الحكومات لسلاسل الكتل إلى تحسين التفاعل بين الحكومة والمواطن، وتخفيض كلفة الأعمال الحكومية، وإيجاد طرق أفضل لإدارة الهويات، وتحسين أمن الأنظمة الموجودة. هذا وقد تم بالفعل نشر تقانة سلاسل الكتل في كل من الولايات المتحدة الأمريكية والصين وإنكلترا وإستونيا والدانمارك والسويد والنرويج والإمارات العربية المتحدة.
للإضاءة على مفهوم سلاسل الكتل - ونظرًا لانتشاره الواسع في تطبيقات متنوعة - سنعرض في هذا العدد أهم تطبيقات سلاسل الكتل، وخاصة تلك المتعلقة بالحكومات الرقمية، وذلك بعد التعريف بآلية عملها، وعرض مقال ساتوشي ناكاموتو الأصلي الذي فتح الباب لانتشار هذا النوع من التقانات.