دراسات وأبحاث
برامج المصادر المفتوحة في صميم تحول تكنولوجيا المعلوميات
العدد 151 | شباط (فبراير)-2020

بقلم عادل الكفري
باحث ومدرّس في المعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا

تحول تكنولوجيا المعلومات ضروري للنمو والربحية والقدرة التنافسية

إن قول بنجامين فرانكلين "عندما ينتهي التغيير لديك، تنتهي" يمكن أن يصف تقريبًا أي تشغيل للأعمال اليوم. وذلك لأن متطلبات العمل وتوقعات الزبائن وضغوط المنافسة تنمو بسرعة وتتغير دائمًا. ومن ثَم تظهر الحاجة إلى التأمين السريع والمرن لابتكارات وخدمات برمجية جديدة. ولمواكبة ذلك، أصبح تحول تكنولوجيا المعلومات وتغييرها عاملًا حاسمًا في نجاح جميع المؤسسات الحديثة تقريبًا.

إن مراكز البيانات التقليدية جامدة وبطيئة وصعبة التكيف لتلبية متطلبات عصر الأعمال الرقمية الجديد. على حين أن المؤسسات، التي تركِّز على تحول بيئة تكنولوجيا المعلومات الخاصة بها، تستطيع مضاعفة عدد المشاريع المنجزة، قبل الموعد المحدد لها، ثلاث مرات. وكذلك يمكن أن يزداد احتمال تسجيل مستويات ممتازة لأتمتة عمليات تكنولوجيا المعلومات لديها بأربعة أضعاف، ويتضاعف سبع مرات احتمال اعتبار تكنولوجيا المعلومات مركزًا للربح وميزةً للتنافس.

بدأ العديد من المؤسسات بذل الجهد للتحول من خلال الانتقال إلى بنية تحتية معرَّفة بالبرمجيات software-defined infrastructure (SDI). ويتضمن هذا عادةً تصميم تطبيقات جديدة سحابية المنشأ تنشر العمل على المنصات السحابية العامة. ومع ذلك، فإن هذا لا يعني أن مراكز البيانات أصبحت شيئًا من الماضي؛ إذ لا تزال الغالبية العظمى من أعمال تكنولوجيا المعلومات مستضافة في مراكز بيانات مملوكة للمؤسسة أو في مواقع مشتركة. وعند التعامل مع النمو الهائل للتطبيقات والبيانات المهمة للأعمال، يصبح من الواضح أن مراكز البيانات هذه ستظل ضرورية للتخطيط الرقمي.

تُظهر الأبحاث التي أجرتها شركة SUSE® أن 95% من قادة تكنولوجيا المعلومات يعتقدون أن SDI هو المستقبل لمركز البيانات. وبالفعل، فإن معظم المؤسسات تقوم في هذه الأيام بتجميع وتوحيد الموارد في مراكز البيانات الخاصة بها. وهي الآن على استعداد لاتخاذ القفزة التالية، نحو سحابة خاصة (أي تحويل مراكز البيانات هذه إلى بنية SDI اللازمة لتوفير نفس البيئة المتوقعة من السحابة العامة والتي تتصف بالسرعة والفعالية وقابلية التطوير).

كل هذا يعني أن استراتيجيات العمل والتحوُّل التي تركز على المستقبل ستحتاج إلى معالجة عالم متعدد الوسائط لتكنولوجيا المعلومات: عالم يشمل مراكز البيانات التقليدية وبيئات SDI والبيئات السحابية.

 

حلول مفتوحة المصدر تقود التحول والابتكار

السباق مستمر بين قادة الأعمال والتكنولوجيا لتحويل استراتيجيات تكنولوجيا المعلومات الخاصة بهم عن طريق اعتماد تحديث مراكز البيانات وبيئات SDI والبيئات السحابية (بأنواعها المتعددة: الخاصة، والعامة، والهجينة أو المتعددة السحابية). وهذه المهام يصعب تحقيقها، ولكن مفتاح النجاح هو إيجاد حلول مثبتة على مستوى المؤسسات تتسم بالمرونة الكافية لمواكبة السوق وقادرة على التكيف مع الابتكارات الجديدة عند ظهورها.

عندما تَتخذ المؤسسات هذه القرارات بوجهها الصحيح، بقطع النظر عن الصناعة، فإنها تصبح أكثر استجابة لعملائها وأكثر تنافسية. لنأخذ، على سبيل المثال، القطاع المصرفي الذي تحول بسرعة من الاعتماد على المعاملات الشخصية في الموقع إلى تطوير تطبيقات هواتف محمولة قادرة على التعامل مع الملايين من العمليات المصرفية كل يوم. لقد حققت المصارف هذا التحول الرقمي مع حفاظها على الالتزام بالتنظيمات الصارمة وتعليمات الأمان إضافة إلى توقعات عملائها السريعة التغير. عن طريق تكنولوجيا المعلومات والتحول الرقمي، إلى جانب تنفيذ مبادئ DevOps، تمكنت العديد من البنوك من الابتكار بسرعة دون المخاطرة التي لا يستطيعون تحملها. لقد حققت قفزة كبيرة لأنها لم تعد تعرّف أنفسها ببساطة على أنها مصارف، وإنما على أنها شركات رقمية تدير معاملات مالية. وفي الوقت نفسه، عانى أولئك الذين أخفقوا في التكيف من العواقب. وينطبق الشيء نفسه على العديد من الصناعات الأخرى. هذا وقد زاد الإنفاق العالمي على التحول الرقمي على تريليون دولار في عام 2018.

تقع الأدوات والتقنيات والتطبيقات المفتوحة المصدر في قلب العديد من قصص التحول هذه. تتوقع Gartner أنه بحلول عام 2022، سيتطور أكثر من 70% من التطبيقات الخاصة الجديدة على نظم مفتوحة المصدر لإدارة قواعد البيانات (OSDBMS)، وأن 50% من نظم إدارة قواعد البيانات العلائقية التجارية الحالية (RDBMS) تحوَّلت أو أنها في طور التحول. يؤدي انفجار خيارات المصادر المفتوحة ذات المصداقية والنضج إلى تحريك حتى أكثر المؤسسات تحفظًا نحو اعتماد حلول مفتوحة المصدر.

استبدلت العديد من الشركات تطبيقاتها المسجلة الملكية بحلول مفتوحة المصدر، بسبب إمكانات التوفير في التكلفة، ولكن هذه هي البداية فقط. إن دمج حلول SDI المفتوحة المصدر باعتبارها جزءًا من استراتيجية تحوُّل تكنولوجيا المعلومات الكاملة، يوفر كفاءات إضافية والمرونة اللازمة لسدِّ احتياجاتهم التجارية المتطورة. تساعد الحلول الحقيقية ذات المصدر المفتوح المؤسسات على تجنب المخاطر أو التكلفة التي تنتج غالبًا عن الالتزام ببائع معيَّن. يمكن أيضًا تكييف هذه الحلول بسهولة أكبر مع أي مجموعة تكنولوجية موجودة حاليًّا لدى المؤسسة أو تخطط لتنفيذها في المستقبل.

 

ما هي التقنيات المفتوحة المصدر التي يجب اختيارها؟

بالنظر إلى النمو الهائل في اعتماد تطبيقات ومنصات وحلول مفتوحة المصدر، يتبادر إلى الذهن السؤال التالي: "ما التقنيات المفتوحة المصدر المتاحة التي ينبغي استعمالها في عملك؟"

Linux

نقطة الانطلاق الواضحة هي نظام Linux. من بدايات متواضعة، نمت نواة ونظام التشغيل Linux ونضجت لتصبح الدعامة الأساسية الحالية في شركات تكنولوجيا المعلومات. اكتسب Linux سمعته بسبب التنوع وبسبب الأساس الآمن الموثوق لبنية المؤسسة والحلول للأعمال الهامة حيث تعد الموثوقية والجاهزية من المتطلبات الأساسية. يعتبر Linux الآن اللاعب المهيمن على الحوسبة العالية الأداء، يتضح ذلك من احتكاره لأعلى 500 تصنيف عالمي للحوسبة الفائقة. ازدادت أهمية الحوسبة العالية الأداء في تحليلات الأعمال والذكاء الصنعي والتعلم الآلي والبحث العلمي.

يتميز نظام Linux بكود أساسي بسيط ومتناسق وكامل الفعالية، مما يجعله الخيار الأساسي لكل شيء بدءًا من الأجهزة المدمجة وتطبيقات إنترنت الأشياء إلى المنصات السحابية ومنصات قواعد البيانات والأعمال الذكية. إنه يوفر أفضل نظام تشغيل لاستراتيجية تكنولوجيا المعلومات المتعددة الوسائط، وهو مثالي لكل من البيئات التقليدية وبيئات SDI.

بالنظر إلى الشعبية المتنامية بسرعة للتطبيقات السحابية، وتقنيات الحاويات وعمليات DevOps (التي تعمل جميعها عادةً على Linux أو باستعمالLinux )، ليس من المستغرب أن يكون Linux هو أكثر المهارات المفتوحة المصدر عند الطلب في سوق توظيف تكنولوجيا المعلومات.

بفضل ثباته وإمكان نقله وأمنه وفعاليته من حيث التكلفة، سيظل Linux مكونًا حيويًّا للمؤسسات المختلفة الأنواع والأحجام التي تتطلع إلى تحديث وتحويل أنظمة تكنولوجيا المعلومات الخاصة بها والمحافظة عليها.

 

OpenStack

يعد OpenStack البرنامج الرائد الذي لا مثيل له عندما يتعلق الأمر بالمنصات السحابية المفتوحة المصدر؛ وذلك لأنه حل استثنائي لبناء سحابة خاصة جديدة أو لتحويل مركز بيانات تقليدي موجود إلى بيئة سحابية خاصة مرنة ديناميكية وقابلة للتطوير.

يوفر OpenStack وصولًا آليًّا سريعًا وذاتي الخدمة إلى مجمعات مشتركة من موارد الحوسبة والتخزين والشبكة اللازمة لمستويات جديدة من الكفاءة والإنتاجية والابتكار، ويهيئ الفرصة لإعادة تشكيل البنية التجارية لإدارة مركز البيانات بالكامل، مع تمكين الحفاظ على السيطرة على متطلبات الأمان وملكية البيانات.

لا عجب إذن أن أكثر من 80% من المؤسسات اعتمدت OpenStack فعليًّا (أو أنها تخطط للقيام بذلك في المستقبل القريب)، باعتباره جزءًا من استراتيجية سحابة متعددة أو هجينة.

 

Ceph

نحن في عصر يصفه الكثيرون بأنه عصر انفجار البيانات؛ إذ إن بعض التقديرات تشير إلى أنه يتعين علينا تخزين وإدارة وتحليل وحماية أكثر من 16ZB من البيانات المهيكلة وغير المهيكلة بحلول عام 2025. وهذا التضخم في نمو البيانات مقود بتقنيات جديدة من المحتمل أن تؤثر علينا جميعًا، مما يفتح فرصًا وتحديات تجارية جديدة.

من المتفق عليه الآن أن أنظمة التخزين التقليدية القائمة على الأجهزة هي ببساطة قليلة المرونة وعالية التكلفة لمواكبة المعدل الهائل لنمو البيانات. لذا يجب اتخاذ بعض القرارات الذكية بهذا الشأن، والسبيل الوحيد للمضي قدمًا هو اعتماد استراتيجية التخزين المعرّفة ببرمجيات (SDS). تفصل حلول SDS أجهزة التخزين الفيزيائية عن منطق إدارة البيانات أو ذكائها. وهذا يعني أن امتلاك التجهيزات الخاصة العالية التكلفة لم تعد مطلوبة، ويمكن بدلًا من ذلك استعمال "الأجهزة الجاهزة" المنخفضة التكلفة. ثم يجري التعامل مع جميع وظائف التخزين المتقدمة عن طريق البرامج.

Ceph هو أشهر حلول التخزين المعتمدة على البرامج والمستعملة مع سحابة OpenStack. وهو أيضًا حلٌّ مثالي للعديد من حالات الاستعمال والبيئات الأخرى التي تتطلب حظرًا أو كائنًا أو ملفًا أو تخزينًا موحدًا. يوفر Ceph تخزينًا مرنًا وغنيًّا بالميزات وقابلًا للتوسع توسعًا كبيرًا مع رأسمال وتكلفة تشغيل منخفضين نسبيًّا.

Kubernetes

توقع Gartner أن أكثر من نصف المؤسسات العالمية ستشغل تطبيقات حاويات سيتم انتاجها بحلول هذا العام. فالحاويات هي وسيلة لنقل الافتراضية إلى المستوى التالي من الكفاءة؛ فهي سريعة وبسيطة، وقابلة للتطوير ديناميكيًّا، ومتناسقة وخفيفة الموارد. وهي كذلك وسيلة ممتازة لتحديث التطبيقات القديمة الموجودة، ولتصميم تطبيقات سحابية جديدة للاستضافة في السحب الخاصة أو العامة أو الهجينة.

Kubernetes هو محرك التنسيق المتناغم لأتمتة نشر وإدارة وتوسيع نطاق تطبيقات الحاوية - مما يجعل العملية برمتها أسهل وأسرع وأكثر كفاءة. نمت شعبية Kubernetes بسرعة كبيرة، إلى حد أن ينظر إليه على أنه الرائد المطلق في السوق من قبل مطوري البرمجيات وفرق العمليات ومتخصصي DevOps وصناع القرار في مجال تكنولوجيا المعلومات.

جرى تعيين Kubernetes ليكون لبنة أساسية لحلول تسليم التطبيقات التي تحتاج إليها الشركات التجارية لتمكين ودعم جهود تحويل تكنولوجيا المعلومات الخاصة بها.

Cloud Foundry

في عالمنا الذي تحركه البرمجيات بشكل متزايد، تعد القدرة على التكيف وتقديم حلول وخدمات جديدة بسرعة أمرًا حيويًّا. ولإنجاز هذا، تساعد تقنيات الحاوية والتطبيقات السحابية المنشأ وعمليات DevOps المذكورة آنفًا على الحصول على حلقات أقصر وأكثر انتظامًا لتسليم التطبيقات. ومع ذلك، لتحقيق المزيد من الكفاءة الإضافية وتحسينات السرعة، نحتاج إلى الاعتماد أكثر وأكثر على أتمته العمليات.

Cloud Foundry هي منصة تسليم التطبيقات المصمَّمة للتعامل مع جميع الأحمال الثقيلة اللازمة لتحقيق ذلك؛ فهي تقوم بأتمتة وتسريع عملية تسليم وإدارة تطبيقات الحاوية السحابية المنشأ، والتعامل مع جميع المهام المستهلكة للزمن والمتكررة بسهولة. يمكن بعد ذلك رفع الإنتاجية والكفاءة إلى المستوى التالي.

قد ترغب كذلك بقراءة
استثمار التقنيات الحديثة في المجال الطبي
هل يمكن أن نجعل الأنظمة الذكية أكثر أخلاقية