دراسات وأبحاث
التعليم العالي وعقبات التحول الرقمي
العدد 162 | كانون الثاني (يناير)-2022

بقلم اسكندر منيف
باحث في المعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا

مقدمة

لما كانت الجامعات ومؤسسات التعليم العالي المساهم الرئيسي في تنمية المجتمع، فإن نظمها التعليمية ينبغي أن تتطور باستمرار لتحقيق أهدافها. يتضمن ذلك مواكبة التطوّر التقاني لتحقيق المرونة وسهولة التحقيق. ومن المعلوم أن العديد من المؤسسات التعليمية تسعى نحو تحقيق التحوّل الرقمي، وأن بعضها استثمر في هذا السبيل وأنفق المال والوقت، ولكن دون الحصول على النتائج المرجوة. يعود ذلك جزئيًّا إلى الفهم القاصر لمعنى التحوّل الرقمي، والاهتمام بالناحية التقنية فقط، علمًا بأن التقانة هي العامل المساعد الذي يحتضن الإبداع ويحسّن منهجية وآليات العمل اللازمة لتلبية الاحتياجات المتغيرة للطلاب. تستطيع المؤسسات عن طريق إعادة صياغة التحول الرقمي وجعله يواكب تقانة المعلومات وآليات العمل، خلق تجارب غنية ومتنوعة لطلابها ورفع الأداء العملياتي، وفي نهاية المطاف تحقيق مهمتها.

التحول الرقمي: لم يعد خيارًا

لم يعد التعليم العالي منيعًا أمام توقعات ورغبة الطلاب العالية في الوصول إلى الخدمات الرقمية؛ فمعظم القطاعات الأخرى تتعامل مع زبائنها  رقمياً وتقدّم لهم خدمات رقمية، لذا فإن الطلاب اليوم يتوقعون الأمر ذاته في تجربتهم التعليمية، وذلك بالحصول على المرونة والتخصيص والخدمة الذاتية والأتمتة وخدمة الزبائن المتقدمة. وعلى مؤسسات التعليم العالي - حيال ضغوط الطلبة والضغوط المحيطية - أن تعتمد وتسرِّع عملية التحول الرقمي نحو تحقيق آليات العمل المثالية وخفض التكاليف، وتحسين تجارب الطلاب وفي النهاية تعزيز سمعتها.

ومن المؤسف أن غالبية جهود التحول الرقمي للمؤسسات تأخرت أو باءت بالفشل. وفق إحدى الإحصائيات، 30% فقط من عمليات التحول الرقمي واكب أو تجاوز الأهداف ونتج عنه تغيير مناسب. لتغيير منهجية العمل بنجاح والاستفادة من التقانة على نحو شامل، ينبغي أن يعالج المسؤولون عن الجامعات والمؤسسات التعليمية العقبات التي يواجهونها، ثم يخططوا منهجياً وخطوة خطوة نحو تحقيق التحول الرقمي. ومع ذلك يبقى التحول الرقمي الحقيقي للعديد من مؤسسات التعليم العالي بعيدًا أو صعب المنال.

وفيما يلي العقبات الرئيسة التي تمنع الجامعات أو المؤسسات التعليمية من تحقيق الفائدة من مبادرات التحول الرقمي العديدة:

  • النظم القديمة والتقانات المعزولة: يعتمد العديد من المؤسسات التقليدية نظمًا تقنية قديمة وغير محمية جيداً وغير متكاملة، ونتيجة لذلك لن تدعم هذه النظم آليات العمل التكاملي المطلوب لتحسين العمل وإغناء تجربة الطلاب.

  • نقص الإدارة أو الحوكمة التقنية: تسعى غالبية الجامعات والمؤسسات التعليمية إلى تحقيق عملية التحول الرقمي، والسبب في ذلك هو النقص في توفر الحوكمة التقنية في المؤسسة - وهي بنية ضرورية لضمان تطبيق تقانة المعلومات بفعالية وكفاءة لدعم تحقيق الأهداف في المؤسسة؛ إذ إنه من دون حوكمة سليمة يصعب تطبيق التقانة اللازمة ذات الأولوية والملحة، ويصعب كذلك تطبيق الحلول المثالية المناسبة لتحقيق التحول الرقمي في الوقت المناسب وبالميزانية المتاحة.

  • النقص في المهارات اللازمة: تعتبر عملية جذب الكفاءات المهنية اللازمة والاحتفاظ بها لتطبيق التقانة ودعمها صعوبة أخرى أمام تحقيق التحول الرقمي في المؤسسة؛ فمعظم أقسام الدعم التقني في المؤسسات التعليمية التقليدية تعاني نقصًا في عدد الموظفين وفي التمويل، وبسبب هذه المصادر المحدودة يتحتم على المؤسسات أن تهتم ببقائها فعالة وفي قيد العمل أكثر من تقدمها نحو الأمام.

  • صعوبة التغيير الإداري: غالبًا ما يتعذر على المؤسسات التقليدية الاستفادة من الخدمة الآلية ومن القدرات المتكاملة المسبقة الإعداد المتاحة في البرمجيات الجديدة، وذلك لأن هذه المؤسسات خصخصت العمليات الإجرائية فيها. إضافة إلى أن هذه الإجراءات القليلة تحتاج إلى عمليات دعم وصيانة عالية التكلفة. إن الأمر الأكثر أهمية لتحقيق النجاح هو التزام المؤسسة بتغيير الإدارة وإدراكها أهمية اعتماد أساليب التقانة إلى أقصى درجة ممكنة والتركيز على إغناء تجربة الطلاب.

المراحل الأربع نحو التحول الرقمي

للتغلب على العقبات الأكثر شيوعًا في طريق التحول الرقمي وتحقيقه، يجب على المسؤولين في الجامعات والمؤسسات التعليمية أولًا أن يقيّموا التقانة والإجراءات الخاصة بهم، ثم ينتقلوا إلى تنفيذ التحول الرقمي تدريجيًّا وفق المراحل الأربع الآتية:

  • توفير الاستقرار في المؤسسة: في هذه المرحلة تحقق المؤسسة استمرارية عمل النظم والوظائف المؤسساتية الجوهرية، ومن ذلك: تحديث نظم التشغيل بما يتناسب مع أحدث الإصدارات، ودعم الشبكات وزيادة سرعة حزمة الاتصال، ومعالجة الثغرات الأمنية والمخاطر، وضمان استمرار تقديم الدعم للزبائن. إذ إن المؤسسات لا تستطيع الاستفادة من مزايا نظمها المحدّثة من دون تحقيق الاستقرار فيها، فبفقدانه تصبح المؤسسة معرّضة للانقطاعات بسبب عمليات الصيانة التي تستهلك المال والوقت. وتتضمن هذه المرحلة أيضًا توفير الطاقة اللازمة لتأمين عمل التجهيزات والبنى التحتية. ويعدُّ هذا المطلب تحديًا كبيرًا في الدول التي تعاني من نقص في حوامل الطاقة.
  • تحقيق معايير الجودة القياسية: تحتاج المؤسسات في هذه المرحلة - بعد استقرار عمل التقانة الأساسية والبنى التحتية - إلى أن تبحث عن توفير فرص جديدة للعمل بكفاءة عالية وتكلفة منخفضة. تتضمن هذه المرحلة التخلّص من النظم المكرّرة، وتطبيق الحوكمة لضمان تنفيذ الأولويات وفق الترتيب المطلوب، والتقليل من الخصخصة، والانتقال الى التقانة السحابية المعيارية. يتطلب تحقيق معايير الجودة القياسية توفّر إرادة التكيّف لدى القائمين على المؤسسة والالتزام بتغيير أسلوب الإدارة والإجماع على المخرجات أو النتائج المنشودة من تطبيق التحوّل الرقمي القائم على إغناء تجربة الطالب.
  • الأمثلة: يتم في هذه المرحلة تطبيق التقانة لتبسيط المهام اليدوية المرهقة، ويمكن زيادة المصادر إلى الحد الأقصى والوصول إلى الأتمتة والكفاءة المثلى التي تحققها التقانة، وفي نهاية المطاف تمكين المؤسسة التعليمية من خلق تجارب مضمونة وسريعة وأكثر تخصصية للطلاب. وليس غريبًا أن تحاول المؤسسات بدء التحول الرقمي من هذه المرحلة، ومع ذلك ستواجه المؤسسات صعوبة في بلوغ الحالة المثالية بنجاح إذا لم تحقق المرحلتين السابقتين: الاستقرار والمعيارية أولًا.
  • التحوّل: حالما يعمل النظام التقني المحيط أمثلياً في المؤسسة تستطيع البدء بتطبيق التقانة التحويلية التي تتيح لها دعم معطياتها المترابطة لاتخاذ القرارات بالاستعانة بالتحليلات التنبئية وتقديم ابتكارات في التعلم والتعليم، وجعل رحلة الطالب مخصصة وبناء استراتيجيات مرتكزة على التقانة لجذب للطلاب وتمكينهم.

اتخاذ الخطوة التالية نحو التحول الرقمي المستدام

يقدِّم التحول الرقمي الفعَّال إمكانات استثنائية وفرصًا للمؤسسات لتحسين التعلّم والتعليم وتحسين القدرة على إدارة المؤسسات بفعالية أكبر.

ومع ذلك ما يزال عدد من الجامعات والمؤسسات التعليمية تقليديًّا وغير رقمي أو مقصرًا في محاولاته لتحقيق التحول الرقمي، وهذا يسبب زيادة في الإنفاق على التقانة مقابل عائد قليل من الاستثمار.

تستطيع المؤسسات - إذا تغلبت على هذه العقبات، وتقدّمت بقوة وفق المراحل الأربع السابقة نحو تحقيق تحول رقمي فاعل - أن تحسِّن إنتاجيتها وتُغْني تجارب طلابها، إضافة الى خلق فرص تنموية جديدة وإفساح المجال للابتكار.

 

المراجع

  • , How Higher Education Can Overcome Barriers to Digital Transformation
  • Boston Consulting Group, “Companies Can Flip the Odds of Success in Digital Transformations from 30% to 80%,” press release, October 29, 2020.
  • Elise Povejsil, “Level Up Your Student Information System (SIS): Moving Processes from Manual to Automated,” Collegis Education (website), February 10, 2021.
  • Christine Skopec, “Why IT Governance in Higher Education Institutions Is So Essential,” Collegis Education (website), December 16, 2020.
  • Elise Povejsil, “Top 4 Risks of Underfunding Your College’s IT Department,” Collegis Education (website), April 28, 2021.

 

قد ترغب كذلك بقراءة
التوجهات البازغة في التعليم التحديات والآفاق
الواقع المعزز في التعليم الهندسي: الفرص والمزايا
التعلّم الآلي والتعليم العالي
التكنولوجيا وتعليم وتعلّم اللغة الانكليزية
حلول الذكاء الصنعي وأولوياته في عالم الأعمال
استشراف إمكانية الحوسبة على المركبات ذاتية القيادة ضمن بيئة إنترنت الأشياء
الجودة في الأمن السيبراني
الخدمات المصغرة
علوم الكمبيوتر وتحديات قادمة في القرن الواحد والعشرين