دراسات وأبحاث
التوجهات البازغة في التعليم التحديات والآفاق
العدد 162 | كانون الثاني (يناير)-2022

بقلم سميح جمول

أثّرت التقانة في كل أوجه حياة المجتمع، وخاصّة في التعليم؛ فأصبح الطلاب يلجؤون إلى تنمية مهاراتهم ومعارفهم بالبقاء في البيت والاتصال بالإنترنت بدلًا من تخصيص وقت أطول في غرفة الصف في المدرسة. وقد غيّر هذا السلوك طريقة التفاعل بين الطلاب والمدرسين.

لا شك في أن مستقبل التعليم سيكون مقودًا بالتقانة، فأدوات التقانة أصبحت أكثر فاعلية بالنسبة للأجيال الجديدة من المتعلمين والمعلمين والتي ثمَّنت عاليًا إمكانات التعليم الحديث، فبدل قراءة الكتب في المكتبات التقليدية يقضي الطلاب أوقاتهم في التعلم من فيديوهات تعليمية على الإنترنت. حتى إن التعليم في الغرفة الصفية يمكن تحسينه بإضافة التقانة الحديثة.

ما هو شكل التعليم في المستقبل؟

كشفت الدراسات الإحصائية الأخيرة أن ما يقرب من 75% من المعلمين يعتقدون أن الكتب الرقمية ستحل محل الكتب التقليدية بحلول عام 2026م، وأن ثمة عددًا من التقانات التعليمية المدهشة قادمة، ومن المحتمل جدًّا أنها ستُحدث تغييرًا في التعليم. ويبقى اعتماد نمط تعليمي معيَّن بالنسبة للمعلمين حول العالم تحديًا حقيقيًّا.

تشير الدراسات إلى أن تقانة الواقع الافتراضي هي التقانة الاستثنائية الممكن اعتمادها في التعليم؛ فجيل الشباب شديد التأثر ببرامج التعليم في الجوال. وثمة عدد كبير من المعلمين يحاول تجريب التعليم باللعب gamification؛ أي: تحويل الموضوع التعليمي إلى لعبة تحدٍّ، بحيث تُنظَّم المصادر التفاعلية بطريقة يجري فيها تحويل المحاضرات إلى لعبة تحدٍّ ممتعة. يساعد هذا النمط من التعليم على تشجيع الطلاب للوصول إلى مستويات متقدمة عن طريق التفاعل مع اللعبة، وسيجدون أنه حل تفاعلي فعال لبناء القدرات والمهارات.

قامت معظم شركات تطوير البرمجيات بالفعل بتطوير أدوات تفاعلية لتقديم المحتوى التعليمي للطلاب بأسلوب ميسر للدراسة. يمكن اليوم ومن أي مكان في العالم الحصول على شهادات تعليمية بالدراسة عن طريق الإنترنت.

نمو قطاع التعليم في الإنترنت

يزداد نمو قطاع التعليم في الإنترنت مع ازدياد عدد مصادر تقانة التعليم والتعلم. وأصبح بمقدورنا الآن أن نجد الكثير من الحلول المناسبة والميسرة في التعليم بواسطة الإنترنت، ويمكن التعلّم على مدار 24 ساعة في اليوم ومن أي مكان في العالم دون الحاجة إلى الجلوس في القاعات الدرسية.

إن التطور الحاصل في الحلول المعتمِدة على المحاكاة والذكاء الصنعي جعلت هذه الحلول أقرب إلى التطبيق العملي. وأصبح التعهيد الجماعي أيضًا من المفاهيم المعتمَدة في التعليم. ينجذب الجيل الجديد من الشباب نحو التدريب الميكروي microtutoring

حيث يعتبر التعليم المصغّر microlearning من الأساليب المبتكرة لجذب انتباه المتعلّم حيث تقدَّم له كميات صغيرة من المحتوى التعليمي في كل مرة. وسَبَبُ انتشار هذا النمط من التعليم هو محاكاته لطريقة معالجة المعلومات في الدماغ البشري. ومن ناحية أخرى يمكن للتربية السلوكية والتيقظ الذهني أن يزيد من معدلات نجاح الطلاب.

لا شك أن التقانة تغيِّر العالم باستمرار، والكثير من التقانات استبدلت بالفعل الذكاءَ الصنعي بذكاء الإنسان. تدلّ الدراسات الإحصائية أن معظم المعلمين يعتقدون أن الممارسات التقليدية في التعليم ستختفي خلال السنوات القادمة لتحل محلها التقانة. ومع أنّ التعليم والتعلّم مستمران في حياتنا ولا يمكن أن نستغني عنهما، إلا أنهما سيأخذان أنماطًا جديدة تحدد مستقبل التربية والتعليم.

نعرض فيما يلي أهم السمات التي يمكن أن تصف التعليم الحديث خلال العشرين سنة القادمة:

  • تعليم بدون قيود على الزمان والمكان: سينال الطلاب فرص تعلّم أكثر بقطع النظر عن مكان وجودهم وزمن تعلمهم، وستسهل تقانة التعليم من بعد فرص التعلم الذاتي.
  • تعليم مخصص: تتيح أدوات التعليم الحديثة في المستقبل المواءمة بسهولة مع مستوى الطالب وقدراته؛ إذ يمكن اختبار الطالب الضعيف بحسب مستواه وتشجيعه للارتقاء إلى مستويات عليا. وهذا النمط من التعليم يزيد من ثقة الطالب الضعيف بنفسه ويحسِّن مستواه العلمي في جميع المواد.
  • تعليم متنوع في الخيارات: بالرغم من أن التعليم التقليدي في المدرسة والجامعة يهدف إلى زيادة قدرات الطلاب إلا أن الطريق لتحقيق النجاح يختلف من طالب إلى آخر، في حين أن الممارسات التعليمية الحديثة ليست مخصصة حسب مستوى الطالب وتجربته فحسب، ولكنها تسهل تعديل عملية التعلم وفقًا للاحتياجات الفردية. يمكن للطلاب اختيار التعلم باستعمال أجهزة وتقنيات وبرامج مختلفة. ومن أفضل الأمثلة على ذلك الفصول الدراسية الضخمة المفتوحة في الإنترنت MOOC، والصف المقلوب Fliped classes، والتعلم المختلط Blended learning.
  •  تعليم بواسطة المشاريع: تتكيف المهن في العالم المستوحى من التقانة مع اقتصاد العمل الحر. لذلك، سيعتمد الطلاب أيضًا التعلم القائم على المشاريع. وهذا يعني بوضوح أنهم بحاجة إلى تعلم تقنيات لتطبيق مهاراتهم في أنواع مختلفة من المواقف. وينصح الخبراء بإلزام الطلاب بالمشاركة في التعلم القائم على المشاريع بدءًا من المرحلة الثانوية. وسيساعدهم ذلك على تطبيق التعلم التعاوني، وإدارة الوقت، والمهارات التنظيمية التي تؤدي إلى تفوقهم في مسيرتهم العلمية. إضافة إلى ذلك، سيكون من السهل على التقنيات المستقبلية مراقبة الأنشطة الطلابية، حتى عندما يأخذون دروسهم من بعد.

التعلّم والتعليم مع التقانة: التحديات والآفاق الجديدة

قبل تفشي فيروس كوفيد-19 في آذار 2020 كانت الحلول لجعل التعلّم الإلكتروني تعليمًا فاعلًا واجتماعيًّا وتشاركيًّا غير كافية وغير مجدية ويا للأسف. وقد حاول مطورو التقانات إضافة إمكانات تفاعلية لتطبيقاتهم، ولكن هذه الجهود غالبًا ما كانت تبدو مصطنعة وتضيف عبئًا إدراكيًّا معرفيًّا كبيرًا على المدربين، وذلك بإقحامهم في أداء دور خبير في دمج النظم التعليمية وتحقيق المتابعة والاستمرارية المرغوبة من الطلاب. وكان التحول الرقمي القسري في عام 2020 هائلًا ومتسرعًا.

إن توفير اتصالات هامة وتشاركية قيّمة من بعد يتطلب أكثر من بث فيديو بالإنترنت، لكننا تعلمنا الكثير وبشق الأنفس بفضل هذه التحديات وبفضل التقييم الإيجابي لأهمية وتأثير التعلّم الإلكتروني، ولا بد لنا أن نعيد تقييم أولوياتنا الاستراتيجية فيما يتعلق بدور التعلم الإلكتروني.

 في الحقيقة، ترغب المؤسسات التعليمية والجامعات بعد جائحة الكورونا بقوة العودة إلى الوضع (الطبيعي) بالرغم من أن هذا الوضع (الطبيعي) لم يكن مثاليًّا لمعظم الطلاب. إن إعادة بناء السياسة التعليمية هي فرصة لا تتكرر لهذه المؤسسات لتطبيق أدوات رقمية تعزّز فيها التواصل من بعد لجعل التعلم متاحًا وعادلًا من جهة تكافؤ الفرص.

يعتمد القائمون على المؤسسات التعليمية ذوو الأفكار التطلعية هذه الرؤية مع ثلاثة اعتبارات مهمة نصب أعينهم: تمكين التحوّل الرقمي لتقليص النفقات العامة، وخلق تعليم أكثر تكافؤًا وذلك باعتماد تعليم اجتماعي مرن ومبني على الاستمرارية والمتابعة المرتكزة على المعطيات، وتضمين الصفوف الرقمية.

يتعلم الطلاب بشكل أفضل عندما يشاركون بفاعلية في النقاش مع زملائهم في الصف، حيث يعرضون معارفهم عرضًا مباشرًا، أو عن طريق تعليم شخص آخر. من الصعب تطبيق هذه الأساليب التعليمية في الصفوف الكبيرة في التعليم بالإنترنت. يستطيع المدرّس أو المدرّب في الصفوف الكبيرة - عن طريق تكوين مجموعات تعلّم افتراضية صغيرة من الطلاب - دعم تفاعلية هذه المجموعات تمامًا مثل مجموعات الدراسة الصفية، وعن طريق تصميم خيارات متنوعة للطلاب للتفاعل مع المحتوى التعليمي والمشاركة في النشاطات مما يزيد من فرص الاستمرارية والمتابعة من الطلاب.

 أما الطلاب الذين فاتهم الحضور المتزامن أو المباشر للجلسة أو الحصة في الإنترنت، فيمكنهم مراجعة الدرس أو المحاضرة والتفاعل مع المحتوى. إن الحدود بين التعلم المتزامن وغير المتزامن غير واضحة في الحقيقة، ويتوقع الطلاب مرونة أكثر وخيارات غنية ومتنوعة في بناء مساراتهم التعليمية.

الاستمرارية والمتابعة

إن اعتماد الأدوات الرقمية في التعليم يقدم فرصة غير مسبوقة للاستفادة من عمليات تحليل المعطيات بغية تحسين التعلّم على كلا المستويين الفردي أو الصفي، وذلك بالحصول على معلومات مفيدة ولحظية عن متابعة تعلّم الطلاب، فعندما يتبين أن الطالب غير متابع يجري حث المدربين آليًّا لتقديم الدعم الشخصي. وقد أصبح من غير الممكن إخفاء الغياب عن الصف أو الانقطاع عن الدرس بوجود عمليات تحليل المتابعة الرقمية، مما يمكّن المدربين وفريق الدعم من التواصل مع جميع الطلاب المقصرين لدفعهم نحو إتقان تعلمهم.

يتيح تقديم قنوات متنوعة من التواصل بين الطالب والمُحاضر سماع صوت كل طالب؛ إذ لا يملك جميع الطلاب الثقة أو الجرأة لرفع أيديهم والتحدّث أمام الصف كله. إن عملية إنشاء مكان آمن يرحِّب بالتساؤلات المباشرة أو المجهولة الاسم وتقديم قنوات متعددة لتقديم التغذية الراجعة من قبل الطلاب تمكّن وتعزز تعلّم الطلاب القادمين من بيئات وخلفيات مختلفة وتعليم بعضهم بعضًا.

وعلى التقانة أن تتيح الفرصة لمشاركة جميع الطلاب في التعلم بقطع النظر عن مكان إقامتهم أومعداتهم الحاسوبية وسرعة اتصالهم بالإنترنت مكونين بذلك تجربة تشاركية عادلة للجميع.

تسهل عملية التعلم بالإنترنت في بيئات التعلم التي يمكن الوصول إليها عن طريق تطبيق متصفح الإنترنت دون الحاجة للتحميل، في حين أن عمليات معالجة ملفات الفيديو السحابية ودمج النظم تحتاج إلى سرعة اتصال عالية للتعلم في الصفوف المتزامنة.

في النهاية، نحصل على تجربة تعليمية نوعية عالية المستوى إذا توفّرت ثلاثة مكونات:

  • المحتوى التعليمي العالي القيمة
  • الاستمرارية الفاعلة
  • التغذية الراجعة البشرية القيمة

إن جمع هذه المكونات مهمة غير سهلة لا سيما عندما تكون البيئة التعليمية غير واضحة أمامنا. نحتاج للاستمرار في هذا العالم الجديد إلى حلولٍ جامعة للطلاب وحاضنة للتعلم التشاركي لتمكن مؤسساتنا التعليمية من تقديم تجربة غنية ومرنة ومؤثرة.

إن الفرصة متاحة لتحقيق التحول في التعليم العالي وذلك باختيار التقانة المناسبة والاستعمال الصحيح لها لإزالة العوائق بين التعليم الشخصي والتعليم بالإنترنت وتقديم بيئة تعليمية مرنة تدعم نجاح الطلاب.

 

المراجع

  • https://www.oxford-royale.com/articles/4-challenges-computer-scientists

 

قد ترغب كذلك بقراءة
التعليم العالي وعقبات التحول الرقمي
الواقع المعزز في التعليم الهندسي: الفرص والمزايا
التعلّم الآلي والتعليم العالي
التكنولوجيا وتعليم وتعلّم اللغة الانكليزية
حلول الذكاء الصنعي وأولوياته في عالم الأعمال
استشراف إمكانية الحوسبة على المركبات ذاتية القيادة ضمن بيئة إنترنت الأشياء
الجودة في الأمن السيبراني
الخدمات المصغرة
علوم الكمبيوتر وتحديات قادمة في القرن الواحد والعشرين