ملف العدد
إحصاءات وحقائق عن شبكات الجيل الخامس
العدد 153 | حزيران (يونيو)-2020

بقلم بلال شريفة
مهندس حواسيب

 

أحدثت ضجة الحديث عن شبكات الجيل الخامس الكثير من الإحصاءات المتعلقة بها. يتطرق هذا المقال إلى الحديث عن البيانات المتعلقة بمدى سرعة هذه الشبكات ونطاق التغطية الشبكية فيها، إضافة إلى معدلات الإنفاق في المؤسسات الرائدة في تقانات المعلومات والمساهمة في تطوير شبكات الجيل الخامس للاتصالات.

المقدمة

تحتاج التقانات المهمة لتأسيسها عادةً إلى سنوات عديدة من التطوير والاختبار والإعادة، وليست شبكات الجيل الخامس مستثناة من ذلك، حيث مازال العمل مستمرًّا فيها منذ مدة ليست بالقصيرة، مما جعل هذه التقانة من التقانات الأكثر رواجًا وصخبًا في الوقت الحالي. ولكن، وبالنظر إلى وعودها المستقبلية، فإن واقعها الحالي لا يزال بعيدًا عن تحقيق هذه الوعود؛ فقد ذكر Jason Leigh أحد محللي مركز البيانات الدولي IDC السنة الفائتة أن ظهور الجيل الخامس للاتصالات سيكون "فوضويًّا بطريقة مبهجة". وعلى الرغم من الحماس الشديد للجيل الخامس فقد أشار المحلل إلى أنه "ليس بالسهولة التقدم في طريق بناء هذه التقنية".

وهناك العديد من المعلومات المشابهة على شبكة الإنترنت من حيث الحماس المتطلع إلى بناء شبكات الجيل الخامس، ولكن المناقشة فيها تتخذ لهجة أكثر كآبة عندما يتحول الحديث إلى الإمكانات المتاحة حاليًا. ومع ذلك كله لا يُتوقع أن يؤدي ذلك إلى إبطاء أو إضعاف ضجة وصخب الجيل الخامس. وعلى أية حال، فقد أظهر العام 2020 موجة جديدة من الحماس في هذا المجال، وذلك بسبب ارتفاع نسبة توفر الشبكات والأجهزة، فزاد تبعًا لذلك عدد الإحصاءات المرافقة لزخم عملية البناء.

وبطبيعة الحال، لن يكون الجميع متحمسين للجيل الخامس، فالعديد من مؤسسات تقانات المعلومات ورجال الأعمال يشعرون بالفتور تجاه الجيل الجديد من تقانات الاتصالات اللاسلكية. ومن أهم أسباب ذلك: الخصوصية، والشعور الدائم بالمراقبة.

ما هو الجيل الخامس للاتصالات؟

الجيل الخامس للاتصالات اللاسلكية هو المعيار القادم لتقنية الهواتف المحمولة والذي سيَخْلف التقنية الحالية 4G/LTE. بدأ الجيل الخامس دخولَ السوق عام 2019، وكانت Huawei وSamsung الشركتين السباقتين المتنافستين في سباق الهواتف الذكية الداعمة لاتصالات الجيل الخامس. وسوف يستغرق نشر شبكات الجيل الخامس على نطاق واسع عدة سنوات.

تهدف تقنيات الجيل الخامس إلى تسريع اتصال البيانات بمعدل يصل إلى عشر مرات مقارنة بـ 4G/LTE، وذلك مع تزايد متطلبات السعة والكفاءة بسبب تزايد حركة مرور بيانات الإنترنت. والدافع إلى عملية تطوير الجيل الخامس إلى الأمام هو تحسين خدمات النطاق الترددي العريض للأجهزة المحمولة.

يتيح الجيل الخامس تدفق الوسائط العالية الدقة بطريقة سهلة في المناطق المكتظة بالسكان أو عندما تكون نقاط Wi-Fi الفعالة غير متوفرة. ومن المتوقع أيضًا أن يعزز الجيل الخامس وظائف الأجهزة المرتكزة على إنترنت الأشياء، كالسيارات الذاتية القيادة مثلًا. ومن الفوائد المحتملة الأخرى للانتقال إلى الجيل الخامس:

· إدارة متكاملة للعدد الهائل من الأجهزة المتصلة في مجتمع ذكي.

· تكاليف منخفضة.

· استهلاك طاقة منخفض.

· زمن وصول (نفاذ) أقل.

· دعم محسّن للاتصال بين الأجهزة.

وتختلف اتصالات الجيل الخامس عن اتصالات الجيل الرابع 4G/LTE بأنها تعمل على ثلاثة نطاقات طيف مختلفة في مقابل نطاق واحد فقط في الجيل الرابع؛ فمعظم الخدمات الخلوية الموجودة تعمل على نطاق طيفي منخفض يشمل منطقة واسعة ويمكن أن يخترق الأبنية لتوفير الاتصال. ولكن تقانة الجيل الخامس تتميز بقدرتها على الاستفادة من النطاق الطيفي المتوسط والنطاق العالي. ولا تخترق هذه الأطياف المباني بنفس الفعالية ولا تشمل منطقة واسعة المساحة، ولكنها تقدم قنوات متاحة أكثر لنقل البيانات عبر موجات البث، ويمكنها توفير مساحة أكبر من عرض الحزمة المتاح للإرسال، وتوفر أيضًا زمن وصول أقل.

ما تزال معظم تقنيات الجيل الخامس - في الوقت الحالي - تعمل على نطاق طيف منخفض، وهو المستعمل في اتصالات الجيل الرابع، وعليه لن يطرأ أي تحسن ملموس على أداء خدمات الجيل الخامس. ومع نضج التقنيات والبنية التحتية ستتمكن الأجهزة من معالجة إشارات الاتصالات عبر النطاقات المتعددة. وسيحتاج مزودو الخدمات إلى تركيب المزيد من أجهزة الإرسال الخلوية لإنشاء مناطق تغطية أوسع لاتصالات الجيل الخامس، وذلك لأن إشارات النطاق العالي تميل إلى التدهور بسرعة على مسافات من إشارات التردد المنخفض. ومن حسن الحظ أن العديد من أجهزة الإرسال هذه يمكن تثبيتها ببساطة في أبراج الشبكة الخلوية الحالية أو دمجها في البنية التحتية القائمة حاليًّا.

ما الاختلاف بين الجيل الرابع والجيل الخامس؟

يكمن الفرق من الناحية العملية في السرعة؛ فكما ذكرنا سابقًا، تنقل الأجهزة الخلوية للجيل الرابع إشارات التردد المنخفض عبر أدنى طيف متوفر، وتأخذ كل إشارة قطعة كبيرة من موجات البث المتاحة مما يُمكِّنُها من إرسال الكثير من البيانات بسرعة كبيرة خصوصًا عند مقارنتها بالأجيال السابقة من التقانات الخلوية. ولنتخيل على سبيل المثال أن الإشارة النموذجية من الجيل الرابع تشبه فيضًا ضوئيًّا ينشر الكثير من الضوء، ولكن عندما يسلَّط عدد من الأضواء على مكان واحد، فمن الطبيعي أن تتداخل هذه الأضواء فيما بينها ويصبح من المستحيل تحديد نهاية المستقر الضوئي لضوءٍ معيَّن منها، وهذه هي الحال مع الأجهزة الحالية التي تعمل على ترددات عديدة منخفضة.

 

وبالمقارنة بين الضوء والبيانات، فإن هذا التداخل في حالة الضوء يعني حدوث اختناقات عند نقل البيانات، حيث يُستغل عرض النطاق الترددي المتوفر كله، وتصبح الشبكة بطيئة جدًّا. وبإسقاط هذه المشكلة على الواقع الحالي نجد أن أجهزة الخلوي من الجيل الرابع تشير إلى درجتين أو درجة واحدة في مؤشر قوة الشبكة في أوقات الذروة، على حين أنها كانت تشير إلى خمس درجات كاملة عندما نُشرت التقنية في أول أمرها، وسبب ذلك ببساطة هو أن العديد من الأجهزة والإشارات تتنافس في عرض النطاق الترددي المتاح نفسه، فتنشأ صعوبة في نقل البيانات بفعالية.

أما في نطاقات الطيف المتوسطة والعالية، فإن الأمور تختلف، إذ إن الاختناقات ستقل كثيرًا، وستحتوي موجات البث على قنوات متاحة ومتوفرة أكثر من سابقتها في الجيل الرابع. ويمكن مع تقنية الجيل الخامس إرسال المزيد من البيانات عبر هذه القنوات الأصغر حجمًا. وإذا كان إرسال التردد المنخفض من الجيل الرابع مثل فيض ضوئي، فيمكن تشبيه إرسال النطاق الترددي المتوسط للجيل الخامس بالضوء الكاشف القوي ويكون الإرسال للنطاق الترددي العالي في الجيل الخامس كمؤشر الليزر. وستفتح تقنية الجيل الخامس مجموعة كبيرة من الإمكانات نظرًا إلى أن الكثير من نطاقات التردد العليا لا تستعمل حاليًا، ولكنها ستُستعمل في إنترنت الأشياء وحوسبة الحافة Edge Computing. وبالعودة إلى شبكة الجيل الرابع الحالية، فإن البنية الأساسية الخلوية ليس لها الحيز الذي قد يمكنها من استيعاب هذا العدد الكبير من الأجهزة الجديدة، وحتى لو كان بوسعها أن تنقل البيانات بسرعة كافية قادرة على تشغيلها، فإن هذا ليس كافيًا.

توقعات نمو شبكات الجيل الخامس حول العالم

كانت الفقرة الافتتاحية لتقرير شركة إريكسون الصادر في تموز 2019: إننا في مرحلة بالغة الأهمية حقًّا مع تحول السوق العالمي شيئًا فشيئًّا إلى اعتماد خدمات الجيل الخامس للاتصالات، ولم يكن لدى أي جيل سابق من تقانات المحمول القدرة على دفع النمو الاقتصادي إلى الحد الذي يبشر به الجيل الخامس؛ حيث يذهب الجيل الجديد إلى أبعد من حدود ربط الأشخاص بعضهم ببعض وصولًا إلى تحقيق التطلعات المرتبطة بإنترنت الأشياء في حقبة الثورة الصناعية الرابعة.

والواقع أن كل تقدم تقني كبير في هذه الأيام يمر تقريبًا بدورة من الضجيج ملؤها التفاؤل العريض والرؤى الحالمة لهذه التقنية والقدرة على تغيير العالم بغمضة عين، ويبدأ المصنعون والصحافة بالمبالغة في الحماس تجاه هذه التقنية إلى أن تبدأ الحقائق بالظهور وتسود حالة من خيبة الأمل حين لا تساير الأمور على ما يرام كما كان متوقعًا.

ولكن حتى مع وضع كل هذا في الاعتبار، فقد كان تقرير شركة إريكسون عن الجيل الخامس مثيرًا للإعجاب والتفاؤل ومدعومًا بأرقام وإحصاءات كبيرة سنذكر بعضها فيما يلي إضافة إلى إحصائيات من مصادر أخرى:

1. من المتوقع أن يزيد عدد المشتركين في تقنيات الجيل الخامس على 10 ملايين مشترك من مختلف أنحاء العالم بحلول نهاية عام 2019.

2. من المتوقع أن يزيد عدد المشتركين في تقنيات الجيل الخامس على 1.9 مليار مشترك للهواتف المحمولة في النطاق العريض المحسن بحلول نهاية عام 2024، أما الاشتراكات في تقنية LTE فمن المنتظر أن تبلغ ذروتها في عام 2022 بنحو 5.3 مليار مشترك، ثم يبدأ هذا الرقم بالانخفاض.

3. سوف تحمل شبكات الجيل الخامس 35% من حركة مرور بيانات الهاتف المحمول على مستوى العالم في عام 2024.

4. سيكون بوسع شبكات الجيل الخامس أن تشمل نحو %65 من سكان العالم في عام 2024.

5. سوف تمثل تقنيات NB-IoT وCat-M ما يقرب من %45 من اتصالات إنترنت الأشياء الخلوية في عام 2024.

6. في نهاية عام 2024 ستعمل أجهزة إنترنت الأشياء على شبكات اتصالات الإنترنت الواسعة النطاق بنسبة %35 مع أغلبية الاتصالات للجيل الرابع، ولكن اتصالات الجيل الخامس ستدعم حالات أكثر تقدمًا.

7. سيكون مصنعو الأجهزة التقنية جاهزين لدعم اتصالات الجيل الخامس وإعادة هيكلة الأجهزة لتعمل على النطاقات المختلفة الموجودة في الجيل الخامس، ومن ذلك تطوير الرقاقات الإلكترونية لتدعم مشاركة النطاقات.

8. ستكون تقنية VoLTE هي الأساس لتمكين خدمات الصوت والاتصالات على أجهزة الجيل الخامس، حيث من المتوقع أن يصل عدد المستفيدين من هذه التقنية إلى 5.9 مليار مشترك في نهاية عام 2024، وسيمثل هذا الرقم أكثر من 85% من اشتراكات LTE و5G مجتمعة.

التوقعات على الصعيد التقني لشبكات الجيل الخامس

1. إن سرعة شبكات الجيل الرابع الحالية النظرية تصل إلى 12.5 MB/s، على حين تصل السرعة العملية لها إلى 1.87 MB/s، وذلك بسبب العديد من العوامل الناشئة عن متطلبات عرض النطاق الترددي، وهذه السرعة تتيح - على سبيل المثال - تحميل فيلم بحجم 3 GB خلال 27 دقيقة. أما في شبكات الجيل الخامس، فإنها تَعِدُ بسرعة تصل إلى 2.5 GB/s، ولكن بسبب عوامل محدودية الشبكة حاليًّا، فإن السرعة تصل إلى 87.5 MB/s، وهذا يمكِّن من تحميل الفلم ذاته خلال 35 ثانية فقط.

2. سوف تدعم شبكة الجيل الخامس النموذجية ملايين الأجهزة في مساحة كيلومتر مربع واحد، وذلك لاعتمادها على خلايا صغيرة لنشر الترددات عوضًا عن الأبراج المركزية المستعملة في شبكات الجيل الرابع.

3. في ظل الظروف المثالية، سيكون زمن انتقال البيانات في الجيل الخامس ما بين 1 إلى 4 مللي ثانية وهو الزمن اللازم لانتقال البيانات من عقدة في الشبكة إلى أخرى، على حين يصل هذا الزمن إلى نحو 50-100 مللي ثانية في شبكات الجيل الرابع الحالية، وهذا مما يجعل شبكات الجيل الخامس أكثر فعالية وموثوقية.

4. إن نشر كبال الألياف الضوئية لتمكين شبكات الجيل الخامس سيكلف ما بين 130 و150 مليار دولار، وهذا يستدعي القيام باستثمارات إضافية في السنوات القادمة في هذا المجال.

 

 

الشكل (1) حركة مرور بيانات الهاتف المحمول العالمية مقدرةً بالإكسابايت exabytes

التوقعات والإسقاطات الإقليمية

1. في أمريكا الشمالية، بدأت الشركات بالفعل بإطلاق خدمات الجيل الخامس لخدمات اتصالات الإنترنت اللاسلكية وخدمات الهاتف المحمول. ومع حلول نهاية عام 2024 نتوقع ما يقرب من 270 مليون اشتراك في المنطقة التي سيمثل فيها أكثر من 60% من اشتراكات الهواتف المحمولة.

2. في أوروبا الغربية، سلط الضوء على أول إطلاق تجاري للجيل الخامس في المنطقة في نيسان 2019 مما أدى إلى زيادة الزخم في هذه التقنية، ومن المتوقع بحلول نهاية عام 2024 أن تمثل تقنية الجيل الخامس قرابة 40% من اشتراكات الهواتف المحمولة.

3. في شمال شرق آسيا، سوف تنتشر تقنية الجيل الخامس في تلك المنطقة، ومن المتوقع أن تصل اشتراكاتها إلى 47% بحلول عام 2024.

4. أما في الهند، فمن المتوقع أن تصبح الاشتراكات للجيل الخامس متاحة في عام 2022، وسوف تمثل 6% من اشتراكات الهاتف المحمول في نهاية عام 2024.

5. وفي الشرق الأوسط وشمال إفريقية، طُبِّقت تقنيات الجيل الخامس التجارية عن طريق مقدمي خدمات الاتصالات الرائدين خلال عام 2019، وسيزداد الطلب عليها في عام 2021. ومن المتوقع أن يصل عدد الاشتراكات في شبكات الجيل الخامس إلى 60 مليون اشتراك تقريبًا في نهاية عام 2024، مما يمثل 3% من إجمالي الاشتراكات الخلوية في تلك المنطقة.

 

ومع اقتراب العالم من نشر شبكات الجيل الخامس، من الواجب أن تقيِّم المنظمات والشركات حالة توقعات سوق تقنيات الجيل الخامس لتحديد تأثيرها في أعمالها. وأما ما يتعلق بمراكز البيانات، فإن الجيل الخامس يَعِد بإطلاق العنان للإمكانات الكاملة لحوسبة الحافة Edge Computing وإنترنت الأشياء. ومن خلال وضع الاستراتيجيات التي تستفيد من هذه الإمكانات تستطيع هذه المراكز توفير خدمات أفضل وتوفير تعددية أكبر في الاستعمال لعملائها، وكذلك جعل التقنيات التي تتطلب بيانات مكثفة مثل الواقع المعزز والتعلم الآلي قابلةً للتطبيق على نطاق واسع.

قد ترغب كذلك بقراءة
شبكات الاتصال الخلوي...المفاهيم والمبادئ
تأثير شبكات الجيل الخامس على صحة الإنسان
تحدي الخصوصية في شبكات الجيل الخامس
نظام الاتصالات النقالة من الجيل الخامس