ملف العدد
تسخير الذكاء الاصطناعي لخدمة المكفوفين وضعاف البصر
العدد 152 | نيسان (أبريل)-2020

بقلم غسان سابا
مدير بحوث

تقدِّر منظمة الصحة العالمية World Health Organization (WHO) عدد الأشخاص الذين يعانون من إعاقات بصرية حول العام بنحو 1.3 مليار شخص. لكن بفضل التقدم الحاصل في التقانات الحديثة ومن أهمها الذكاء الصنعي، فإننا نشهد يوميًّا ابتكارات جديدة تؤثر إيجابيًّا في حياة هؤلاء الأشخاص.

يتناول هذا المقال أهم التطبيقات المستعملة في هذا المجال وأكثرها شهرة، مع التركيز على مجالات الابتكار التي اعتمدت عليها والوظائف التي يقدمها كل تطبيق.

تطبيق "بوكيت فيجين" من هونور Honor PocketVision

طوَّر المصنع الصيني هونور تطبيقَ PocketVision الذي يعتمد على تقانات الذكاء الصنعي لتسهيل عملية القراءة على ضعاف البصر.

استفاد هذا التطبيق من إمكانات الذكاء الصنعي المضمَّنة في أجهزتها ومن تقانة الكاميرا الرباعية المثبتة على الجهاز الجوال لتقديم قراءة محسَّنة، وهذا ما يجعله خيارًا محمولًا وقليل الكلفة مقارنةً بالحلول الأخرى المتوفرة في الأسواق حاليًّا والتي تعتمد على التكبير.

طوَّرت هذا التطبيق الشركةُ الاجتماعية Eyecoming ودعمتها شركة هونور الرائدة في مجالات تقانات الذكاء الصنعي. يزود تطبيق "بوكيت فيجين" بثلاثة أنماط أساسية لمساعدة الأشخاص على القراءة بوضوح أشد.

نمط تحويل النص إلى كلام Text-to-Speech: دُعِم هذا النمط من HiAI ضمن شركة هونور إضافةً إلى تقانة تعرُّف الحروف ضوئيًّا Optical Character Recognition (OCR). يفيد هذا النمط في تحويل الصور إلى نصوص بشكل أسرع وأكثر دقة. ويمكنه أيضًا نطق النصوص الموجودة ضمن الكتب أو الوثائق أو اللوائح وغيرها باستعمال نمط Zoom-In الذي يستفيد من عدسات الكاميرا الرباعية وعدسات المسافات البعيدة Telephoto لتحقيق وضوح أشد. تتيح أجهزة جوال هونور عند استعمال هذا النمط تكبيرَ النص بالاستفادة من أزرار التحكم بقوة الصوت الموجودة ضمن الجهاز.

أما نمط الصورة السلبية Negative Image Mode، فيزود بمجال واسع من مصفِّيات الألوان لتحسين جودة النص؛ فهو يحسِّن تباين المواد المطبوعة للأشخاص الذين لا يميزون بعض الألوان جيدًا.

ومع أنه يمكن تحميل تطبيق "بوكيت فيحين" على جميع هواتف هونور، إلا أن التطبيق يعمل بشكل أفضل على هاتفَي Honor 20 و Honor 20 Pro، المزودَيْن بكاميرات تدعم الذكاء الصنعي وتقنيات الكاميرات الرباعية المتفوقة. يمكن تحميل التطبيق مجانًا من متجر Huawei AppGallery، وهو يدعم عدة لغات.

تطبيق Seeing AI من مايكروسوفت

أطلقت مايكروسوفت تطبيقًا مجانيًّا يعمل على هواتف Apple’s iPhone يدعى Seeing AI، وقد لاقى نجاحًا كبيرًا في المدة الأخيرة، وبدأت تتكلم عنه معظم وسائل الإعلام الإلكترونية، وتم تقييمه ومراجعته من قبل مجموعة متنوعة من المختصين.

ساهم هذا التطبيق في جمع أهم الميزات المكتبية التي يبحث عنها ضعاف النظر المتمثلة في: قراءة النصوص المطبوعة، وتعرُّف الأشياء والعوائق، وتصنيف المرافق، في مكان واحد.

يحتوي تطبيق SeeingAI عدة قنوات ملاحة (أو تخاطب) تقابل التقنيات الأخرى المفيدة لضعاف البصر، وهي: النصوص القصيرة، والوثائق، والمنتجات، والعملة، والأشخاص، والمناظر. تقابل هذه القنوات أنواعًا محددةً من التطبيقات أو البرمجيات وفق التصنيف التالي:

  • النصوص القصيرة والوثائق، وهي من أنماط OCR.
  • المنتجات، وهي ماسحات الباركود. تمسح الباركود الذي يظهر على معظم المنتجات لمعرفة طبيعة المنتج ومواصفاته.
  • الأشخاص والعملة والمناظر، وهي من أنواع تعرُّف الأشياء؛ إذ يمكن التقاط الصور لشيء ما والاستعانة ببرنامج أو بشخص بعيد لتعرُّف الشيء وتمييزه وتوصيل النتيجة إلى المستعمل.

لعل أهم ما يميز تطبيق SeeingAI هو جمع جميع الميزات السابقة في تطبيق واحد مجاني، مع العلم أن بعض التطبيقات التي تهتم بميزة واحدة فقط يمكن أن تعطي نتائج أفضل بسبب تخصصها بهذا النوع من الميزات.

تقانة Aira لمساندة ضعاف البصر

تم إطلاق تطبيق Aira عام 2015 بوصفه خدمة لربط الأشخاص الذين يعانون من ضعف البصر إلى وكلاء مدرَّبين تدريبًا عاليًا وقادرين في الوقت نفسه على مساندتهم والإجابة عن استفساراتهم. يستطيع Aira، بضغطة زر فقط، توصيل معلومة لحظية إلى ضعيف البصر. يفيد ذلك في دعم استقلاليته وكفاءته بالعمل أو بالتعليم.

شهد هذا التطبيق رواجًا كبيرًا، حتى إنه حصل على لقب أفضل ابتكار لعام 2018 من قبل مجلة تايم Time. وهو متاح باشتراك شهري، ومتاح مجانًا أيضًا عن طريق شبكة النفاذ الخاصة به التي تشتمل على مجموعة من الشركات ومواقع الوب والمنتجات الرقمية وبائعي التجزئة والمطارات وسلاسل الأسواق وغيرها.

كيف يَستعمل Aira الذكاء الصنعي؟

يَستعمل Aira مجموعة من التقانات ضمن منتج واحد. تتمثل سمة الذكاء الصنعي فيه عند توجيه المستكشف (أي: الشخص الطالب للخدمة) إلى الوكيل الذي يستطيع مساعدته.

يوجد محرك حوار Dialogue Engine يطلق عليه اسم Chloe، مايزال في بداياته، يتخاطب مع المستعمل لإنجاز مهمات بسيطة؛ مثل قراءة التعليمات أو الوثائق وتعرُّف المنتجات وغيرها.

في حالة Aira، تستعمل الشركة المطورة الذكاء الصنعي لتحقيق الرؤية بمساعدة الحاسوب ومعالجة اللغات.

تُستعمل الشبكات العصبونية التلافِّيَّة Convolutional Neural Networks لتحقيق المهام المتعلقة بالرؤية بمساعدة الحاسوب مثل فهم العالم بصريًّا. أما ما يتعلق بمعالجة اللغات الطبيعية فيُستعمل نظام BERT (Bidirectional Encoder Representations from Transformers) لفهم المقصود بالنص المحكي وفهم السياق. وتُستعمل النمذجة الموضوعية Topic modelling لفهم المهام المختلفة والجزئية.

استعمال الواقع المعزز Augmented Reality

يَستعمل تطبيق Aira، فوق طبقة الذكاء الصنعي، الواقعَ المعزز. فقد جرى مكاملة التطبيق على نحوٍ كامل في مجموعة إطارات بغية زيادة دقة تحديد الموقع باستعمال GPS وتعزيز خبرة المشي بإضافة نغمات صوتية مخصصة.

عزَّز Aira الواقعَ عند المكفوفين، المتمثل في نقص النفاذ اللحظي إلى المعلومات، وذلك عن طريق الاعتماد على الذكاء البصري إضافةً إلى الذكاء السياقي Contextual. يعمل التطبيق هنا على دمج الوكلاء في بيئة المستعمل التي تُعزَّز إلى حد بعيد بزيادة تدفق الفيديو باطراد مع اتجاه الشخص ومنظر الشارع المتجه إليه.

يدعم تطبيق Aira حاليًّا الواقعَ المعزز للمكفوفين. لكن مع اعتماد الذكاء الصنعي وبعد إطلاق شبكات الجيل الخامس 5G العالية السرعة سيزداد اعتماد تطبيق Aira في مجالات أخرى.

وقد ساعد التاريخ القصير نسبيًّا تطبيق Aira في دمج تقانات مختلفة معًا للوصول إلى خدمة قوية تصعب منافستها. أما ما يهم التطبيق مستقبلًا فهو الكائن البشري والتقانة بالمستوى نفسه.

وأما فيما يتعلق بالمستقبل المنظور، ومع الانتشار الكبير للتطبيق، سينتشر التطبيق أكثر فأكثر ليصل إلى أيدي الملايين عن طريق توسيع شبكة النفاذ الخاصة به؛ وأيضًا عن طريق التعلم من أجوبة الوكلاء البشريين، سيقوم بتعليم تقانات الذكاء الصنعي على نحوٍ أفضل لتتفاعل مع المستعمل عن طريق الوكيل المستقل، Chloe، إضافةً إلى مساندة الوكلاء البشريين.

إيبولي (Aipoly) – تطبيق ذكاء صنعي للمكفوفين

لعل أحد مجالات التركيز الأساسية التي جذبت الاهتمام مؤخرًا هو كيفية مساعدة الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة عن طريق الابتكارات التقانية. يظهر، من بين بعض هذه الابتكارات التي تسعى إلى جعل الحياة قابلة للنفاذ أكثر لذوي الاحتياجات الخاصة، تطبيق (Aipoly). يهدف هذا التطبيق إلى استعمال الذكاء الصنعي لإظهار الوسط المحيط للمكفوفين.

وقد تم تطوير التقانات، لقرون مضت، لمساعدة الأشخاص ذوي الحاجات الخاصة. نذكر من أمثلتها: المساعدات السمعية للصُّمّ (التي أصبحت منتشرة في القرن التاسع عشر على شكل سماعة أذن قبل تطويرها للوصول إلى زراعة القوقعة في القرن العشرين)، وطريقة البرايل (Braille) للمكفوفين (التي ابتكرها لويس برايل عام 1820). ضمن هذا السياق، لم يعد مستغربًا أن تركز الابتكارات البشرية على الأفراد ذوي الإمكانات المتفاوتة. ومع ذلك، فإن الملامحَ الخارجية للصناعات الحالية، مثل الهواتف الذكية، والطباعة الثلاثية الأبعاد، وأنظمة الذكاء الصنعي، موجهةٌ للارتقاء بالعلاقة بين الابتكارات التقانية وبين متطلبات الأشخاص ذوي الحاجات الخاصة إلى حدود غير مسبوقة.

تم إطلاق تطبيق إيبولي عام 2015، وجذب الانتباه إليه عندما حاز جائزة الابتكار (Innovation Award) لجوائز اتحاد تقانات المستهلك (Consumer Technology Association Awards) عام 2017. وأصبح حديث الناس الشاغل لعدة سنوات بفضل فرضيته البسيطة التي تعتمد تقانة شديدة التعقيد – بعد نجاح تحميله على الهاتف الذكي، يستطيع الشخص أن يستعمل التطبيق عن طريق توجيه الهاتف الذكي على شيء ما فيتعرَّف التطبيق هذا الشيء.

ومع أن هذا سيبدو للوهلة الأولى على أنه مهمة بسيطة، إلا أنه في الحقيقة نظام مدعوم بالذكاء الصنعي الذي يَستعمل تقانات تعلم الآلة مثلها مثل علم الروبوتات Robotics. يتعرَّف الكائن البشري عادةً الأشياء بصريًّا أو سماعيًّا أو بأي طريقةٍ أخرى. يستطيع الأشخاص التعلم بسهولة كيف تبدو الأشياء الجديدة ويستطيعون أيضًا تذكر اسمها وحتى تصنيفها حسب درجة تشابهها. غير أنه من الصعوبة بمكان خلق هذه الإمكانية في الحواسيب. وقد أصبحت تقانة التعرُّف Recognition Technology رائجة حاليًّا ضمن بعض منصات العمل مثل خدمة إضافة سمات على الصور Photo-tagging المستعملة ضمن فسيبوك، التي تحاول أن تنتقي شكل الوجه من الصور.

ومع ذلك، فإن تطبيق إيبولي يتطلع إلى استهدافٍ أوسع لكونه، بعد أن "يرى" الهاتف الذكي الأشياء البعيدة، يريد أن يتعرَّف هذه الأشياء ثم يُعْلم الشخص عنها بقطع النظر عن مكانها.

وقد يبدو ذلك صعبًا لأن الأشياء قد تظهر بأشكال مختلفة عندما تتعرض لظروف إضاءة مختلفة، أو حسب حالتها، أو عندما تنتقل من مكان إلى آخر؛ فعند ذلك قد تأخذ الأشياءُ التي تبدو مختلفة التصنيفَ نفسه؛ كما أن اختيار شيء من الخلفية، الذي يكون عادةً مشوشًا بصريًّا، يصبح أمرًا صعبًا حتى على الأشخاص ذوي الأبصار الحادة. ومع ذلك، فإن تطبيق إيبولي يستعين بتقانات متعددة لعملية التعرُّف. تركز هذه التقانات على تمييز الأشخاص والطعام والأغراض المنزلية والتعبئة والتغليف في المتاجر وأنواع النباتات وغيرها. وتتيح هذه الأنظمة للأشخاص أيضًا تخصيص الأشياء حسب رغبتهم، أو بعبارة أخرى، يَستطيع التطبيق تمييز الأشياء أو المنتجات التي تهمهم فقط.

قام بتطوير تطبيق إيبولي كل من ألبرتو ريزولي وماريتا تشنغ خلال دراستهما في جامعة Singularity، وهي شركة ذات منفعة من السيلكون فالي. وقد تم إدخاله عام 2015 بالاعتماد على الشبكات العصبونية التلافِّيَّة التي وُجِّهت لتمييز الأشياء الموجودة في كل صورة وتحديد العلاقة بينها. ومنذ ذلك الوقت، بدأت تزداد دقة التطبيق كلما أخبره المستعملون بالأخطاء التي ارتكبها، وهذا من شأنه المساعدة على تحسين قاعدة معطياته.

من الملاحظ أن الأنظمة المشابهة لهذا التطبيق ازدادت شعبية في المدة الأخيرة. فقد أشارت شركة فاست Fast عام 2016 إلى وجود زيادة في هذا النوع من التقانة الموجهة للأجهزة المحمولة باليد. فباتت ابتكارات إيبولي وتحديثات نظام iPhone تَستعملان تقانة التعرُّف البصري لتمييز الأشخاص والأمكنة وغيرها ضمن الصورة التي تلتقطها الهواتف الجوالة. أما فيما يتعلق بتعرف الصوت، فالتقانات ذات الصلة كانت موجودة منذ مدة طويلة. فتطبيق Shazam مثلًا يستطيع تمييز الأغاني وتعرُّف كلمات الأغنية. وعلى جميع الأحوال، يمكن أن تغيِّر تقانة الذكاء الصنعي المخصصة للمكفوفين حياتهم، وذلك بمساعدتهم على التنقل ضمن الوسط المحيط بهم دون الحاجة إلى مساعدة من أحد.

ومع ذلك، فمن الطبيعي أن توجد حدود لهذا التطبيق. على سبيل المثال، يمكن للعديد من المكفوفين التنقل بشكل جيد باستعمال حاسة اللمس، لكن الفائدة الحقيقة لهم، والتي لم يتم اكتشافها ضمن هذا التطبيق على نحوٍ كامل، تتمثل في مساعدتهم على التفريق بين الأشياء التي تبدو لهم متماثلة. أضف إلى ذلك، أن على المستعمل أن ينتظر بعض الوقت لأن التطبيق لا يتعرَّف الشيء ويميزه لحظيًّا، بل يستغرق بعض الوقت.

المراجع

/https://tbtech.co/ai-assists-the-visually-impaired-with-aira-technology
https://apps.apple.com/us/app/aipoly-vision-sight-for-blind-visually-impaired/id1069166437
/https://visionaware.org/everyday-living/helpful-products/using-apps/seeing-ai-app/1235

https://www.irishnews.com/magazine/technology/2019/09/06/news/honor-announces-pocketvision-app-to-help-visually-impaired-1705929

قد ترغب كذلك بقراءة
مركبات الكلام لدعم ذوي الاحتياجات الخاصة
اختراعات الذكاء الصنعي لذوي الإعاقات الحسية والفيزيائية
الذكاء الصنعي ومستقبله