دراسات وأبحاث
تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والاقتصاد الرقمي
العدد 150 | كانون اﻷول (ديسمبر)-2019

بقلم هبه قابقلي

تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ICT (Information and Communications Technology) ظاهرة جديدة أحدثت تغييرًا كبيرًا في الحياة اليومية للأفراد والشركات في جميع أنحاء العالم. وقد كانت الأعوام الثلاثون المنصرمة كافية لجعلها أحد العوامل الرئيسية للنشاط الاقتصادي والاجتماعي في العالم. تعرَّف تكنولوجيات المعلومات والاتصالات الجديدة (ICT) عمومًا بأنها مجموعة من نظم الحاسوب والتجهيزات العتادية الموجهة لتخزين ومعالجة المعلومات، وللاتصالات (الإنترنت والشبكات اللاسلكية والهواتف المحمولة ووسائل الاتصال الأخرى)، ومعالجة وإدارة المعطيات. وهي تشكل مجموعة متقاربة من تقنيات الإلكترونيات الدقيقة وعلوم الحاسوب (العتاديات hardware والبرمجيات software) والاتصالات والإلكترونيات البصرية. يوضح هذا التفاعل بين مجالي الإلكترونيات والمعلوماتية أن تطبيقات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تتيح للأشخاص والشركات التفاعل مع العالم الرقمي، وأن تسدّ احتياجات الشركات والدولة والأسر والأفراد.

 

بعد النجاح الذي حققه العمالقة الصناعيون الذين استولوا على مدار القرن العشرين على شبكات الهاتف والصناعة الكهربائية والنقل الجوي ...إلخ، أتاح استعمال تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم فرصة لبناء إمبراطوريات تكنولوجية هائلة في أوقات فصيرة قياسية، لكن هذا لا يعني أنهم سيحققون النجاح بالتأكيد في الظروف الجديدة والسوق الإلكترونية. ونؤكد هنا أن نمو الاقتصاد الرقمي يعني أننا نعمل في ظل منافسة عالمية دائمة، وأن أفضل طريقة لجعل أي كيان تكنولوجي آمنًا وناجحًا هي فهم العلاقة المتبادلة بين مخاطر الأعمال والفرص التي توفرها تقنية المعلومات.

 

تمثل العمليات التجارية سلسلة من الأنشطة التي تحوِّل المدخلات إلى مخرجات وسلع وخدمات. وقد انتقل الاقتصاد إلى الرقمنة وإلى استعمال تكنولوجيا المعلومات بسبب أهميتها البالغة. ويُعدّ استعمال تكنولوجيا المعلومات المصدر الرئيسي للمغامرة التنافسية لأي مؤسسة أصبحت تدرك أهمية هذه التكنولوجيا باعتبارها عاملًا مساعدًا في التنمية الاجتماعية والاقتصادية. تدمج رقمنة الاقتصاد بدرجة فعالة تنظيم الموظفين والإدارة والتكنولوجيا لتدفق المعلومات والمواد والتمويل في الجهد المستمر للإنتاج بجودة عالية وبأسعار مخفضة وخدمة ممتازة تحفّز الابتكار وتوفر فرصًا جديدة. تبيِّن هذه المقالة مفهوم الاقتصاد الرقمي، وأثر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الاقتصاد، والتجارة الإلكترونية. وتفصِّل الكلام على تجربة شركة أمازون وتبيِّن أسس نجاحها وتوسع أعمالها.

 

مفهوم الاقتصاد الرقمي

الاقتصاد الرقمي مفهوم يشير إلى انتشار استعمال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في جميع المساعي الاجتماعية والاقتصادية، فيوسِّع نطاق الفرص، ويحفّز النمو الاقتصادي، ويحسّن توفير الخدمات العامة. وللاقتصاد الرقمي دور هام في بناء "مجتمعات ذكية" تعزز قدرات جميع الجهات الفاعلة، والسلطات العامة، والحكومة، ومشاريع الأعمال، والمواطنين، ولا سيما الشباب، في سبيل اتخاذ القرارات المثلى والحد من عدم المساواة. ولا تقل ثورة الاقتصاد الرقمي أهمية عن الثورات الصناعية السابقة التي ترافقت مع بدء استعمال طاقة البخار، ومحركات الاحتراق، والكهرباء.

 

أدّى تطوير المنتجات المعلوماتية والأعمال القائمة على استعمال تكنولوجيا الإنترنت إلى ازدياد دور وأهمية استعمال تكنولوجيا المعلومات في العمليات التجارية من ناحية الاقتصاد الجديد أو الاقتصاد الرقمي. وقد تغير الاقتصاد العالمي بسبب هذا التطور وتطبيق هذه التكنولوجيا تغيرًا كبيرًا، فأصبحت الشركات مرغمة على البقاء في اقتصاد حديث تتميز فيه السوق العالمية بالمنافسة وتنوع المنتجات والخدمات والعمر القصير لدورة المنتج. يتميز الاقتصاد الرقمي بالإفصاح والشفافية والحياد في كل المعلومات، إضافة إلى أنه يزيل العوائق الجغرافية والزمانية والهيكلية.

 

يمر الاقتصاد في هذه الأيام بتغيرات جوهرية نتيجة للتطور السريع لتكنولوجيا المعلومات. حيث توفر تكنولوجيا المعلومات والاقتصاد الرقمي فرصًا جديدة لجميع قطاعات الاقتصاد، وللتخصص والتعاون بين الشركات من مختلف المناطق عن طريق خفض تكاليف المعاملات، وتيسير الوصول إلى الأسواق الأجنبية، وتسهيل تطوير نماذج جديدة من الأعمال الإلكترونية.

 

أثر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الاقتصاد

أصبحت الشركات المحلية دولية بسبب مواقعها على الإنترنت التي تعرِّف بالشركة وخدماتها وسلعها. وأسهم استعمال التكنولوجيا في خدمة العملاء؛ فأصبحت الشركات الكبرى مثل مايكروسوفت تحقق رغبات عملائها بسرعة بالاستفادة من خدمات البريد الإلكتروني والدردشة.

 

وكذلك أسهمت الشبكات الداخلية والخارجية في تحسين عمل الشركات؛ فأصبح الموظفون والعملاء يتواصلون مع المديرين للحصول على ردود الأفعال وتقارير التقدم والإضافات. وبازدهار الاتصالات أصبح بإمكان أي شركتين تجاريتين العمل معًا بسهولة، مثال على ذلك دمج hotmail في MSN كان سهلًا لأن الخدمة كانت بالإنترنت. وعلى الرغم من كل التسهيلات التي قدمتها التكنولوجيا للاقتصاد، فإن الأعمال في هذه الأيام مازالت تتطلب الكثير من التخطيط، وذلك بسبب برمجيات التنظيم ذات التقنية المتقدمة التي تعتمد على الحاسوب (يمكن إجراء التخطيط بنمط منظم، مع تنسيق الجدول الزمني، ومخططات جانت، إلخ).

 

أما من ناحية المعطيات، فيمكن الآن التحكم في قواعد المعطيات الضخمة وتخزينها على الشبكة والتجهيزات الاحتياطية. في أيامنا هذه تجري معظم الأعمال التجارية بواسطة الحواسيب الشخصية وأجهزة الاتصالات، حيث توفر الحواسيب للشركات طريقة لتنظيم قواعد المعطيات ذوات الحجوم الكبيرة، والجداول الشخصية ومختلف أنواع المعلومات. وكذلك أصبح الوصول إلى الملفات أمرًا يسيرًا مع كلمات المرور والمجلدات المشتركة، وأصبحت المعاملات النقدية تتم بسهولة وبزمن تأخير قليل. ولكن، من أجل جني الفوائد المرجوة، تحتاج الشركات إلى تكييف وتغيير بنيتها التحتية. وكمثال توضيحي على ذلك، عندما بدأت الخطوط الجوية الأمريكية باستعمال نظام حجز رحلات محوسب، أقرَّ بنك أمريكا نظامًا آليًّا لمعالجة الشيكات.

ومع ازدياد سرعة نقل المعلومات وموثوقيتها، واختفاء حواجز المسافة، أدركت الشركات مدى سهولة الاستعانة بمصادر خارجية للوظائف في الخارج، فأتاح ذلك توظيف أشخاص يعملون خارج الشركة أو من بُعد، وتمكّنت من الاستعانة بالبرمجة الحاسوبية وخدمة العملاء عن طريق الهاتف.

 

التجارة الإلكترونية E-Commerce

باتت التجارة الإلكترونية سهلة بفضل تحسن الاتصال وسرعة انتشار الهواتف المحمولة ووسائل التواصل الاجتماعي والابتكارات الجديدة. تجمع التجارة الإلكترونية كل المعاملات التجارية التي تعمل من بُعد عن طريق واجهات إلكترونية ورقمية. وتشمل أساسًا المعاملات التجارية التي تجري على الإنترنت من أنواع مختلفة من الأجهزة الطرفية (أجهزة الحاسوب والأجهزة اللوحية والهواتف الذكية وأجهزة التحكم وأجهزة التلفزة). تشير التجارة الإلكترونية والمعروفة أيضًا باسم "الأعمال الإلكترونية" إلى تبادل أو بيع السلع أو الخدمات عن طريق الإنترنت. يقتضي هذا النوع من التجارة عادةً عملية الدفع للبيع، إلى جانب ترتيبات أخرى لتسليم المنتج، وذلك في حال كون المنتج ماديًّا أو رقميًّا.

تهدف التجارة الإلكترونية إلى:

  • تهيئة الفرص لبناء علاقات جديدة مع العملاء وغيرهم من مستعملي الإنترنت،
  • تخفيض تكاليف إقامة المشاريع وتشغيلها، وتكاليف البيع والتسويق،
  • توفير تجارة على مدار 24/7 في جميع أنحاء العالم،
  • زيادة عدد العملاء الأوفياء عن طريق تفاعلهم في مناقشات باستعمال الإنترنت،
  • توفير تحديثات منتظمة خاصة بالمنتجات والخدمات،
  • إدارة أكثر من عمل تجاري إلكتروني في الوقت نفسه، خلافًا للأعمال التجارية التقليدية.

 

 يمكن أن يكون نمط العلاقة التجارية:

  • شركة إلى شركة Business-to-Business (B2B)، مثل بيع المنتجات أو الخدمات للشركات الأخرى.
  • شركة إلى المستهلك Business-to-Consumer (B2C)، مثل بيع المنتجات أو الخدمات للمستهلك النهائي.

 

تشمل خطوات التجارة الإلكترونية أو الشراء عن طريق الإنترنت ما يلي:

  1. تحديد السلعة المطلوبة،
  2. البحث عنها بالإنترنت،
  3. تحديد الموقع الإلكتروني البائع،
  4. مراجعة مواصفات المنتج،
  5. مراجعة شروط الإرجاع والدفع،
  6. معرفة تكلفة الشحن (مرتفعة، مناسبة، مجانية)،
  7. معرفة سياسة الموقع لحماية المستهلك (American Express، PayPal).

 

الشركة الأمريكية أمازون

 

تأسست AMAZON عام 1994، وهي مؤسسة كبرى تعتمد على الإنترنت في بيع الكتب والموسيقا والأفلام والأدوات المنزلية والإلكترونيات والألعاب والألبسة وغيرها، إما مباشرةً أو كوسيط بين تجار التجزئة الآخرين وملايين عملاء Amazon.com. يتضمن نشاط خدمات الوب الخاص بها تأجير موارد تخزين المعطيات والحوسبة، ما يسمى "الحوسبة السحابية" عن طريق الإنترنت. وسبب حضورها الكبير في الإنترنت هو أنّ واحد في المئة من إجمالي حركة مرور الإنترنت في أمريكا الشمالية كان من مراكز معطيات Amazon.com وإليها في عام 2012.

وتصنِّع الشركة أجهزة قراءة الكتب الإلكترونية Kindle الرائدة. وقد أدى الترويج لهذه الأجهزة إلى نمو هائل في نشر الكتب الإلكترونية وحوَّلت أمازون إلى قوة أدت إلى تراجع كبير في سوق نشر الكتب الورقية. حققت أمازون نموًّا سريعًا، حيث بلغ عدد حسابات عملائها 180.000 حساب عميل بحلول كانون الأول من عام 1996، أي بعد أول عام كامل لها في العمل. وفي تشرين الثاني من عام 1997، كان لديها مليون حساب لعملائها. وقفزت إيراداتها من 15.7 مليون دولار في عام 1996 إلى 148 مليون دولار في عام 1997، ثم إلى 610 مليون دولار في عام 1998.

 

ومع أنّ تقديم المزيد من أنواع السلع كان له الفضل في توسيع نطاق جاذبية هذه الشركة، فإنّ خدمات ومصداقية موقع أمازون هي التي أكسبتها ولاء العملاء وحققت لها أرباحها الهائلة. وقد عزَّز نشرها لمراجعات العملاء من المنتجات "مجتمع المستهلكين" الذين ساعد بعضهم بعضًا في العثور على كل شيء بدءًا من الكتاب الصحيح وانتهاء بأفضل خلاط منزلي.

 

تُعدّ الشركة الرقمية Amazon.com مثالًا على سوق إلكترونية لمؤسسة خاصة؛ ففي عام 1996، جلبت أمازون الأعمال إلى الإنترنت، حيث قامت الشركات بتقديم الكتالوجات والأوامر المستلمة والدفعات وقبول عوائد العملاء لمعالجة المعاملات التجارية عن طريق الإنترنت. ولا شك في أن هذا الاستثمار في البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات يزيد - من وجهة نظر اقتصادية - إنتاجية ومكاسب المؤسسة.

 

الخاتمة

خلال السنوات العشر الماضية، ساهمت عدة عوامل في زيادة الحاجة إلى تحسين العمليات التجارية بأنسب الطرق. وأدت تكنولوجيا الإنترنت واستعمالها إلى زيادة سرعة المنافسة، وفتح الأسواق العالمية وإتاحة فرص للتجارة الحرة.

 

وساهمت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (ICT) مساهمة فعالة في النمو والتطور ورفع الإنتاجية وكفاءة العمل عن طريق تمكين الإبداع وتحفيز الابتكار، وساعدت على اختراق الأسواق العالمية والحضور فيها، وأتاحت الفرصة لمشاركة جميع أصحاب المصلحة في البرامج والمشاريع الخاصة بصرف النظر عن مواقعهم والمسافة التي تفصلهم عن مواقع العمل، ومكنتهم من الوصول إلى بنيتها التحتية.

 

غالبًا ما يجري تحفيز الشركات لتطبيق تكنولوجيا المعلومات في العمليات التجارية. ويعتبر هذا ضروريًّا في عمليات الأعمال الداخلية للحصول على معلومات ذات جودة عالية أو حتى التأثير على المنافسة. لذا، يتعين على الشركات تحسين عملياتها التجارية الإلكترونية لتظل قادرة على المنافسة في سوق اليوم؛ فخلال السنوات الأخيرة، اضطرت الشركات إلى تحسين عملياتها التجارية، لأن العملاء يطالبون بتحسينات في المنتجات والخدمات، فإذا لم يحصلوا على ما يريدون من أحد الموردين، فلديهم الكثير من المنافسين الآخرين للحصول على طلباتهم. لذلك، بدأت شركات عديدة عملية تحسين أداء الأعمال مع نموذج التحسين المستمر. وللحصول على النموذج الأفضل تبذل جهود كبيرة لفهم وقياس آلية عمل المؤسسة وأدائها.

 

المراجع

Proctor, K. Scott, "Optimizing and Assessing Information Technology: Improving Business Project Execution", Publisher: Wiley, ISBN 978-1-118-10263. 2011

A., Berisha-Shaqiri, "Information Technology and the Digital Economy", Article in Mediterranean Journal of Social Sciences · November 2015, DOI: 10.5901/mjss.2015.v6n6p78

L.J. REDDY, R., PRASANTHI, "The role of information technology in commerce and management", 2014

قد ترغب كذلك بقراءة
بيئات التطوير الحديثة لتطبيقات الأجهزة الذكية
الحوسبة العالية الأداء في متناول يدك